في عالم يشهد تحديات تربوية متنوعة، تبرز التربية الإيجابية كمنهج ضروري لتنمية شخصية الطفل بشكل متوازن وصحي. تتجاوز الأساليب التقليدية للتربية، للتركيز على تعزيز السلوكيات الإيجابية وتطوير القدرات العاطفية والاجتماعية للأطفال. التربية الإيجابية هي منهج تربوي يركز على تشجيع السلوكيات الإيجابية وتوجيه الأطفال نحو تعلم مهارات حياتية مهمة. بدلاً من التركيز على العقاب، تؤكد هذه الطريقة على اللطف والتفهم. مما يخلق بيئة تعليمية داعمة تساعد الأطفال على النمو بطريقة صحية ومتكاملة
الشعور بالانتماء والتأثير.
الشعور بالانتماء والتأثير هي المبدأ الأساسي في نظرية التربية الإيجابية التي صاغها أدلر وتلميذه دريكرز. وكانت الأساس الذي طورت من خلاله «جين نيلسن» أبحاثها في مجموعة كتبها عن (التربية الإيجابية.) والتي كانت نبراساً للعديد من الآباء والمربين والمعلمين حول العالم. إن التربية الإيجابية تهتم بعدة مهارات مثل الفاعلية في العلاقات والتأثير في الحياة والانضباط الذاتي والقدرة على التحكم في النفس وفهم المشاعر الشخصية. كما تحث على كل ما ينمي المشاعر الإيجابية لدى الطفل وينحي المشاعر السلبية جانباً
الانصات الفعال
يبدو أنك شعرت بالظلم، أنت تشعر بالشوق، أنت تشعر بالحزن، لماذا أنت غاضب. من أهم مبادئ التربية الإيجابية، وهو ما تسميه جين نيلسون أحيانا «التواصل قبل التصحيح». إن هذا التواصل له قواعد. منها الاستماع الجيد وإظهار التعاطف بتعبيرات الوجه ونبرات الصوت ومشاركة الطفل مشاعره وأفكاره عند الحاجة، وعدم إصدار الأحكام. وتوصيف مشاعره ومساعدته في فهمها. مما يجعله يستطيع التعامل معها لاحقاً
في الحقيقة قدمت لنا (آمي ماك كريدي) المختصة بالتربية الإيجابية. جعبةً من الاستراتيجيات لتفادي الأجواء السلبية والسلوكيات الخاطئة التي نتعامل بها مع أطفالنا. وقد يكون أهمها:
. البحث في أساس السلوك: إذ دائما هناك حافز أساسيّ يدفع أطفالنا إلى السلوك التخريبي أو الخاطئ. وعلى الأهل معرفة السبب الرئيسي وراء هذا السلوك العدواني. وبمجرد وصولنا الى هذه المعرفة نستطيع حلّ المشكلة وتجنب ردة الفعل غير المرغوبة من الطفل.
. لا للمكافآت: إنها في الحقيقة غير فعالة، وتقدم فقط مكاسب قصيرة الأجل. فعند اتخاذنا لقرارات ضبط الأطفال، من المهم جداً وضع أهداف طويلة المدى في اعتبارنا لنحقق نتائج أفضل.
. ركز على نفسك: بدلاً من أن أقول: إنّ طفلي سيئ التصرف علينا نحن ـ ـالأمهات والآباء ـ أن نكون أكثر استعدادًا للتعامل مع هذا السلوك السيئ. أي ألّا نكتفي بإطلاق الأحكام.
. لا للعقاب: من غير المجدي استخدام أسلوب إلقاء اللوم بطريقة مبالغ بها. أو العقاب الجسدي أو التجريح، بل يجب التركيز أكثر على تعليم أطفالنا الطرق المناسبة لحسن السلوك، والتصويب إلى مواضع الخطأ. لماذا العاقبة بدلاً من العقاب؟
كشفت المختصّة في تصحيح النطق، الدكتورة رزيقة كركاش. أنّ معظم حالات الأطفال الذين يعانون من صعوبة في النطق أو تأخره، يتم تشخيصهم بتعرضهم للصدمات جراء العنف سواء كان مادياً أو معنوياً. ويرى اختصاصيون كثيرون غيرها أن هناك مؤشرات عديدة على خطورة استخدام العنف. لما يولده من انعكاسات نفسية خطيرة على الأطفال، تؤثر على أدائهم العقلي والحركي.
إقرأ أيضاً: التربية الجنسية، الواقع والأحكام المسبقة
دائما ما يترتب على السلوك السيء للطفل عاقبة مرتبطة به. ولكن من الضروري تفهم هذا السلوك، والتعامل مع نتائجه وعواقبه بطريقة متوازنة لا تحمل نزعة انتقامية. فالعقاب البدني أو اللفظي أو حتى النفسي، كالتجاهل أو وضع الطفل في ركن العقاب. قد يؤدي إلى تفاقم الأمور وإنتاج شخصية مشوهة، أو منسحبة أو ترغب في الانتقام.
لكي تجعلهم يستمعون إليك، جرّب “الطلب الإيجابي” بدلًا من “الأمر”. الطلب الإيجابي هو أن يُطلب من شخص فعل شيء ، وليس التوقف عن فعل الشيء. “عد مبكرًا” ، بدلًا من “لا تتأخر كما تفعل دائمًا.
التربية الإيجابية لا تؤثر فقط على السلوك الحالي للطفل، بل تعزز أيضًا تطوره العاطفي والاجتماعي على المدى الطويل. ينمو الأطفال ليصبحوا بالغين واثقين من أنفسهم، قادرين على التواصل بفعالية ويتمتعون بمهارات حل المشكلات.
تمثل التربية الإيجابية أكثر من مجرد منهج تربوي؛ إنها تمثل أسلوب حياة يساهم في بناء جيل واعٍ ومتكامل. من خلال تطبيق مبادئها واستخدام أدواتها بشكل فعال، يمكن للآباء والمربين توجيه الأطفال نحو مستقبل متوازن. وفي النهاية، لن ينتج عن التربية الإيجابية تعليمُ الطفل مهارات الحياة والمهارات الاجتماعية لبناء شخصية سوية وفعالة كالاحترام وحل المشكلات والاستقلالية والتعاون ومراعاة شعور الآخرين فقط، بل إن هذه المهارات التي تلزم مناخاً جيداً ومتناغماً، سينتج عنها الفرد الفاعل والمؤثر، أو الفرد المدرك لحقوقه وواجباته، ومن خلال هذا الفرد، ستتأسس اللحظة الديمقراطية المستمرة، اللحظة التي لن نشعر فيها أننا فائض مجانيّ عن حاجة الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع العلمية
“التربية الإيجابية: استراتيجيات لتحسين سلوك الطفل”، د. جون سميث.
“تأثير التربية الإيجابية على النمو العاطفي للأطفال”، مجلة علم النفس التربوي.
“أدوات التربية الإيجابية: دليل عملي”، سارة جونسون