المخدرات في السويداء…تذكية للعنف، وتفكيك للنسيج الاجتماعي.

صدى الجنوب
…..
بلغ انتشار المخدرات والإتجار فيها في محافظة السويداء حداً بات يهدد فيه قلب المجتمع المحلي ويهدد ثوابته ومنظومته الأخلاقية، عبر استهدافه فئة كبيرة من شريحة الشباب وخاصة فئة الطلاب، فتلك السموم أصبحت تغزو أبواب المدارس وأروقتها حتى باتت إدارات بعض الثانويات غير قادرة على منع تسربها، في وقت تغيب فيه المحاسبة نتيجة العطالة المزمنة لأجهزة الدولة، التي من المفترض أن تتولى محاسبة التجار والموردين، وتلاحق شبكات التوزيع، بدلاً من رعاية (المصالحات) والتسويات التي أطلقت يد المروجين ومئات المطلوبين بجرائم مماثلة.

-حشيش وكبتاجون بسعر العلكة!
رغم أن ظاهرة تعاطي الحشيش تعود إلى ما قبل العام 2010 إلا أن رواجها كان محدوداً ويقتصر على أعداد قليلة ونوعيات محددة من الأشخاص من أصحاب السوابق، ولم تكن محافظة السويداء سابقا تشتهر بجرائم ترويج وبيع المخدرات إلا في حالات نادرة جدا، ولكن بعد العام 2011 وفرت الفوضى وحالة الفلتان الأمني فرصة كبيرة لرواجها لدرجة باتت تباع في العلن و”على عينك يا تاجر”.

ورغم انعكاس الأزمة الاقتصادية على أسعار معظم السلع والمواد الأساسية التي شهدت غلاءً فاحشاً إلا أن الحشيش والحبوب المخدرة تعتبر رخيصة الثمن، ويبدو أن الموردين لتلك السموم كانوا حريصين على بيعها بأبخس الأسعار بهدف نشرها ورواجها على نطاق واسع ضمن المجتمع المحلي .

-يؤكد أحد الشبان من السويداء أن حبة الكبتاغون تباع بثمن يتراوح بين 500 حتى ألف ليرة فقط ،أما وزنة الحشيش بمقدار 200 غرام ويتراوح ثمنها من 100 ألف حتى 130 ألف ليرة.(أقل من 50 دولار)
ويؤكد المصدر أن هذه الأثمان تعتبر بخسة مقارنة بأسعار ما قبل عام 2010 حين كانت وزنة الحشيش 200 غرام تباع بنحو 150 دولار
بينما يبلغ ثمن حبة الترامادول 500 إلى 1000 ليرة سورية
…..
لقد أدّى انتشار المخدرات في محافظة السويداء إلى تدمیر شريحة واسعة وتعطیلھا، ما أسفر عن ارتفاع كبير في مستوى الجريمة، وتعتبر أحد أھم الأسباب وراء حوادث العنف والتفكك الأسري وارتفاع نسبة الطلاق والعنف المجتمعي مثل القتل و الخطف و عملیات السطو المسلح التي ترتفع وتیرتھا بشكل ملحوظ مع استمرارالتدھورالاقتصادي الذي تشھدة المحافظة وسوريا بشكل عام ، كما أن لتجارة المخدرات ارتباط وثیق مع تجارة الدعارة التي بدأت تظھرفي السویداء وما لھا من تداعيات خطيرة على بنية المجتمع المحلي المحافظ
….
-المخدرات واقتصاد الحرب

من نافل القول أن انتشار المخدرات في سوريا كان بهدف استمرار عجلة الحرب ودعم اقتصادها،عبر تزويد الميليشيات بالمال وبالرجال، وبات خلخلة المجتمع وضرب قيمه، من أولويات تلك القوى المتصارعة على الأرض التي تهدف كل منها إلى بسط سيطرتها و تعزيز نفوذها.
وتشير العديد من التقاريرإلى أن انتشار الحشيش والحبوب المخدرة بدأ ضمن صفوف حملة السلاح أولا، ففي حين كانت القوات النظامية والداعمين لها تشهد رواجاً كبيرة لتلك السموم كانت \ايضاً المعارضة المسلحة تعتمد على الحبوب المخدرة (الكبتاجون) في شحن همة العناصر بحكم تأثيرها القوي على الحالة الذهنية و القدرة على التفكير بشكل منطقي . ( وهذه المواد عبارة عن خليط من الامفيتامين مع مجموعة من المواد الكيميائية يشار اليها أحيانا باسم ( الجندي الفائق) حيث تجعل المقاتلين يشعرون بالقوة الفائقة، وغالبا ما تجعلهم يشعرون بأنهم لا يقهرون في ساحة المعركة.

أما في السويداء فالعديد من الأوساط المحلية فضلا عن العديد من التقارير و التحقيقات الصحفية تتهم المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني بالمسؤولية الاساسية عن نشرها على اعتباره المورد الأساسي لها والمسؤول عن إيصالها من لبنان عبر جبال القلمون والمعابر غير الشرعية وصولاً إلى السويداء.
…..
_ مخدرات بنسب سميّة عالية

أكدت تقارير نشرتها شبكة فوكس نيوز أن شحنة حبوب الكبتاغون التي جرى ضبطها في إيطاليا منتصف العام 2020 والتي تعتبر الاكبر عالميا ( قدرت قيمتها ب مليار يورو)كانت تحوي نسبا عالية جدا من السمية، الا أن هذه المواد تعتبر مرتفعة الثمن، لذلك فان المنتجين في سوريا و لبنان و لتخفيف التكاليف وسهولة تصريفها، يقومون بخلط مواد كيميائية رخيصة معها لكنها شديدة السمية مثل الزنك والنيكل حسب تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي بتاريخ 10 آب/أغسطس 2020 حول شحنة حبوب الكبتاغون المصادرة في إيطاليا والتي وصفتها بالحبوب المزيفة .
…..
-سوق محلية أم طريق عبور؟

تؤكد العديد من المصادر الصحفية أن حزب الله و ايران تسعيان خلال السنوات الماضية لجعل السويداء ممراً لعبور المخدرات إلى الأردن ودول الخليج، وحدث أن قامت قوات الحدود في الأردن باستهداف وضبط العديد من الشحنات المهربة عبر ريف السويداء الجنوبي. ووفقا لمصادر مطلعة على الأرض فإن التقديرات تشير إلى أن ما يتم ضبطه من الشحنات أقل بكثير من التي تعبر.
ويبدو أن الحروب التي اندلعت بين بعض المجموعات المسلحة والفصائل المحلية في السويداء كانت عبارة عن صراع لقطع أو الاستحواذ على طرق تهريب المخدرات حسب تحقيق نشر في موقع “الحل نت” والذي تحدث عن تلك المعركة التي حدثت في مدينة صلخد وانتهت بمقتل أحد قادة الفصائل وإخراج المجموعات المسماة بـ الشريان من مدينة صلخد واستحواذ فصيل محلي مدعوم من حزب الله على المدينة وريفها.
…….
-السويداء…إلى متى؟

يعلم الجميع بأن مستويات التعاطي في السويداء باتت فوق اعتيادية
وأصبحت هذه الظاهرة أوضح من أن یتم تجاھلھا أوالتكھن حولھا. ولكن إلى متى هذه اللامبالاة ؟ ھل على المجتمع أن ينتظر الحلول من الجھات الرسمیة مع یقینه بغیابھا ؟
ففي ظل حرب الأجندات وغياب دور الدولة القانوني و المدني والصحي يحتاج المجتمع المدني في السويداء إلى حصانة اجتماعية من خلال التنسيق المستمر والفعال بين مختلف القوى الفاعلة ( مثقفون و وجهاء وزعامات تقليدية ودينية ) بهدف فضح التجار والموزعين من أبناء المحافظة ونبذهم اجتماعيا، وتشكيل كيان اجتماعي مدني مستقل مهمته محاربة انتشار المخدرات عبر كافة الوسائل المتاحة، وهذا بدوره يحتاج إلى إطلاق حملات اعلامية توعوية متلاحقة بين مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، لمحاربة ظاهرة التعاطي وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية على الفرد و المجتمع .وفي هذا السياق لابد من الاستعانة بالكوادر الطبية من أجل تشخيص حالات الإدمان وطرق علاجها وضرورة إيجاد مراكز لمعالجة الإدمان بهدف إعادة الإدماج المجتمعي.

اترك تعليق