تهميش الإعلام لمشاركة المرأة الفاعلة

      

“في الرد على سؤال هتلر: كيف أصنع مجتمعاً يصدقني؟ يجيبه كوبلز: أعطني إعلاماً بلا ضمير، أخلق لك مجتمعاً جاهلاً”.

 يُعدّ العماء الجندري أحد تمظهرات التحيّز الذكوري، ويُستخدم في تحليل أوجه التحيّز للرجال، ونسيان المساحة المطلوب إفرادها للنساء للتعبير عن مشاركتهن سلباً أو إيجاباً في عمليات الإنتاج الإنساني، ويدل المصطلح “العماء الجندري” في الدراسات الإعلامية على تحيز وسائل الإعلام والرسائل الإعلامية والقائمين على مهنة الصحافة لصالح الرجال في التغطيات الإخبارية، وفي كل فنون وقوالب الإنتاج الإخباري المكتوب والمرئي والمسموع والالكتروني، بحيث يظهر الرجال في كل زوايا التغطية كصنّاع للأحداث وفاعلين فيها ومعلّقين على تداعياتها، في حين تختفي النساء من الأخبار والمعلومات، حتى لو كان الخبر يخصهن فإنّ مساحة حضورهن في الكتابة أو تسجيل الأصوات أو الصور تبقى قليلة إذا ما قورنت بالتحليل الإحصائي العلمي مع الرجال، أو بمناهج تحليل المضمون للنصوص والصور والرسائل والسياسات والسلوك البشري.1

وعلى الرغم من التأثيرات العالمية والتغيرات المحلية التي أدت إلى خروج المرأة إلى الحياة العامة، إلا أنّ أشكال العماء الجندري مازالت تخيم على مساحات وسائل الإعلام، هذا العماء يبدأ من تحديد الأولويات التي تتعين في ثلاثية السياسة والمال والأعمال والهيمنة الذكورية على هذه الثلاثية، التي تعكسها وسائل الإعلام في صور الرجال في المؤتمرات الصحفية والتحليلات الاقتصادية والسياسية، بالمقابل غالباً ما يتم حصر صور النساء في الاخبار الاجتماعية العادية أو الأسرة أو الموضة أو الأزياء، وحتى في الصور أو اللقاءات الجماعية التي تضم نساءً ورجالاً غالباً ما يكون التركيز على الرجال، بينما تكون النساء على الهامش، وهذا يفرز حيزين: حيز عام يسيطر عليه الرجال، وحيز خاص تعيش فيه النساء أدواراً ثانوية، أو أدواراً رئيسية ولكن لا يتم تغطيتها إعلامياً، وينسحب ذلك على الإعلانات التجارية حيث يتم تصوير الرجال مع منتجات تقنية وصناعية، مقابل تصوير النساء إلى جانب سلع استهلاكية ومرتبطة بالأدوار الجندرية والصور النمطية (كالمنظفات وحفاظات الأطفال) على سبيل المثال.

إنّ الصورة التي يقدّم الإعلامُ المرأةَ من خلالها إلى اليوم تُهمّش إنجازاتها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، حيث أنّ الإعلام يغض الطرف عن مدى التحوّلات التي شهدها واقع المرأة السورية في السنوات العشر الأخيرة، باعتبار أنّ الهيمنة الذكورية مازالت تسيطر على الطريقة التي يجب أن تُقدّم من خلالها انجازات النساء، فحتى عندما يتم تغطية تنامي انخراط النساء في الحياة العامة، فإنّ الإعلام يصوّر النساء على أنهن اضطررن للتواجد في هذا المكان نتيجةً لانزياح دور الرجل ولأسباب طارئة وقهرية، وكأنّ بزوال هذه الأسباب ستعود المرأة إلى الصورة النمطيّة المعتادة التي قُيّدت بها، دون الاعتراف بشكل لا يقبل التأويل بأنّ وجود النساء في الحياة العامّة هو ضرورة اجتماعيّة وإنسانية، يقتضيها إيجاد حلولٍ أكثر نجاعة واستدامة لمشاكلنا العالقة، وليس اضطراراً سيزول بزوال أسبابه.  

يتعيّن دور الإعلام الفاعل في التصدي لأي انتهاك يمكن أن يقع على حقوق الإنسان بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص، ولا يمكن له الاضطلاع بوظيفته هذه مالم يمتلك وعياً جديداً اتجاه متغيرات الواقع، وعياً يعمل على تغيير الصور النمطيّة للمرأة، والتدليل على أهمية دورها في المشاركة وصنع القرار وبناء السلام، والمساهمة في الوصول إلى القبول المجتمعي لهذا الدور، فالصور النمطية التي تنتجها الثقافة التقليديّة مازالت تعيق مشاركة النساء الفاعلة، وإذا لم يقم الإعلام باستقصاء الاعاقات التي تعطّل اسهامات النساء وتبددها، فهو يتنكّر للوظيفة المنوطة به، ويتنازل طوعاً أو قسراً عن قدرته في إحداث التغيير الاجتماعي، وعن دوره الإيجابي في عمليّة تمكين النساء، وتشكيل وعي مجتمعيّ وخاصةً بما يتعلق بقرار مجلس الأمن 1325 وأجندة النساء والسلام والأمن.

بالعودة إلى إجابة كوبلز على سؤال هتلر سنجد أنها إجابة مركبة، تشير إلى العلاقة الجدلية ما بين الإعلام والمجتمع، فأهمية وجود  إعلام حر ومستقل وموضوعي يتبنى الخطاب الديمقراطي وشرعة حقوق الانسان منهجاً له، ويرفع قضايا الحرية والعدالة والمساواة، ويعزز المشاركة الديمقراطية، يقابله على الجهة الأخرى وبذات الأهمية الحاجة إلى تربية إعلامية، تنتقل بالفرد من الفرد المتلقي إلى الباحث عن المعلومة والصانع لها، بمعنى أن يمتلك الأفراد القدرة على تحليل الخطاب الإعلامي ونقده، وهذه الأخيرة تتطلب أيضاً “تربية ديمقراطية لبناء القدرات على نقد القولبة والقيم المسيطرة والإيديولوجيات”2

1مساق الإعلام والنوع الاجتماعي، تحرير: تحسين يقين، مركز تطوير الإعلام_ جامعة بيرزيت، الطبعة الأولى 2016

2نحو تربية إعلامية نقدية، دوغلاس كيلنر وجيف شير، جامعة كاليفورنيا، 2001

اترك تعليق