جرائم شرف ولكن!

سلام علم الدين

قال أحد الكتّاب يوماً للكاتب المشهور بردوده الساخرة جورج برنارد شو.
أنا أفضل منك يا شو.
أنا أكتب بحثاً عن الشرف، أما أنت فتكتب بحثاً عن المال.
فأجابه برنارد شو: صدقت، كل منا يبحث عما ينقصه!!
___________________

مفهوم جريمة الشرف:
يمكن تعريف جريمة الشرف اصطلاحاً بأنها جريمة قتل يرتكبها غالباً أحد الأعضاء الذكور في أسرة ما بحق أنثى من أسرته، حيث يقدم الجاني على فعل القتل لشعوره بأن شرفه قد هتك، نتيجة قيام الأنثى قريبته بسلوك يخالف العرف الاجتماعي. المرتبط بالسلوك الجنسي (أو العاطفي ) خارج إطار الزواج ، أو الشك بقيامها بفعل مخل بالحشمة – من وجهة نظر المرتكب- . أي أن القاتل يقوم بالحكم على مرتكبة (الفاحشة) بالموت، ويرتكب جريمة صوناً لشرفه، حيث يجد الجاني في إزهاق روح الضحية استعادةً لشرفه المهدور، وبأن القتل هو ما يعيد الاعتبار له ولعائلته (أو عشيرته)، وقد يترافق هذا القتل بمظاهر الابتهاج والاحتفال. كنوع من الإشهار أمام المجتمع .
جندريّة الشرف:
تكشف لنا (جريمة الشرف) عن قضيتين أساسيتين غايةً في الأهمية، يبنى عليهما هذا السلوك الإجرامي، علينا أن نقف عندهما قليلاً بشيءٍ من التحليل لنتمكن من فهم خلفياته وتتبعه بدقة. فهو يكشف أولاً عن نمط متجذّر في اللّاوعي الجمعي تجاه تملّك الذكر للأنثى وتبعيّتها المطلقة له وصولاً إلى امتلاك حياتها. كما ويحيلنا ثانياً إلى جندريّة مفهوم الشرف الذي يفاضل، ويمايز بين شرف الذكر وشرف الأنثى. والمقصود بجندريّة الشرف هو في اختلاف معايير القيم الأخلاقية على اساس النوع الاجتماعي، وذلك بربط معايير الشرف عند الرجل بالصفات النبيلة كالصدق والشجاعة والنزاهة والكرم ، بينما ترتبط هذه المعايير الأخلاقية عند المرأة بمقدار حفاظها على جسدها وعفّتِها ولا شيء آخر. وهذا الاعتلال القيمي الصارخ قادم من منظومة اجتماعية قائمة في اصلها على عدم المساواة والتمييز لصالح الرجل، بينما تقوم على تشيييء المرأة (تحويلها إلى شيء قابل للمكلية والاستتباع ) وفضلا عن كونها ضمن هذا المنظور أداة للمتعة ووعاءً للتناسل. فهي مملوكة للرجل و ملزمة تحت سلطته أن تحافظ على عفتها والتي تعني في سياق هذه الذهنية (التملكية) شرفها وكرامتها، وأي سلوك للمرأة خارج هذا السياق -ولو لمجرد الشك- فذلك يعني خروجها عن العرف السائد وسلبها لقوة الرجل وسلطته ومكانته وبالتالي خسارته لكرامته ورأسماله المجتمعي بين الناس والذي يعتبر العامل الاهم وراء جرائم (الشرف) في المجتمعات العربية حيث يكون العامل المجتمعي هو العامل الضاغط والمحرض لارتكاب الجريمة اكثر من كونه دافعا ذاتيا لدى القاتل. وبالتالي فإن الذكر حين يمارس العنف ضد المراة أو قتلها في حالات خروجها عن السلطة، فإنما يدافع في ذلك عن سلطته، ويكرس تفوقه ونزعته في التملك
//إن هذه العلاقة بين المرأة والسلطة الذكورية وهذا الاعتلال القيمي القائم على النوع الاجتماعي يفسر لنا لماذا يتم الاعتداء على النساء خلال الحروب والنزاعات، بحيث يغدو من تداعيات اقتحام المدن عسكريا هو اغتصاب النساء كنوع من الانتقام و إذلال العدو وإهدار كرامته، و تصبح المرأة – كما الأرض -موضوعاً للاستباحة وفرض السيطرة والهيمنة.//
دور النظم التربوية:
تساهم جميع المنظومات التربوية والتعليمية والسياسية والدينية في تكريس الصورة النمطية للذكر والأنثى في عقول أطفالها الأمر الذي يؤدي وإن كان بشكل غير مباشر إلى هذه النتيجة الكارثية. التي تعلي من شأن الذكر-بكونه ذكر-، وتحط من قدر الأنثى-بكونها أنثى- ، كما أن المناهج التعليمية بإغفالها لدور التربية الجنسية : (المؤثر الأكبر في النمو الذهني والعاطفي لدى الفرد في مجتمعاتنا) سواء في الأسرة من خلال تجنب النقاش في هذه المسائل واعتبارها من المحرمات والعيوب، أو في المدارس عبر إهمالها الكامل لهذا الجانب ، جعلت من الجنس أحد المحرمات المرتبطة بالعيب و النقيصة ونقيضاً للأخلاق، وكرست عبر تغييب الوعي الجنسي الجهل والخوف من الاخر و العدائية تجاهه، ولتقوم محلها تنشئة جنسية تبنى على ركيزتي الأمر والنهي وهما عبارة عن محظورات يتم تلقينها لكلا الجنسين نحو بعضهما. تعزز مفهوم : الذكر السيد والمالك و الانثى التابع و المملوك تلك العلاقة المؤسسة على التمييز و السيطرة و القهر لا على التفاهم و المشاركة و المساواة، وهو بذلك أحد أهم مؤهبات النزاع داخل المجتمع.
جريمة الشرف الكبرى .
لقد رصد مصطفى حجازي في كتابه سيكولوجية الإنسان المقهور تنامي الاستفزاز في مجتمعاتنا المضطهدة والمقهورة، وبرأيه “انّ الحالة المزمنة من الإحباط والإهمال والقهر تجعل إنسان المجتمع المتخلف في حالة تعبئة نفسية دائمة استعداداً للصراع وهذا ما يقلص هامش العقلانية والحوار المنطقي وبالتالي فإن جريمة الشرف ليست إلا امتداد لنتاج إنسان موتور لم يحظ منذ طفولته سوى بالتربية على الاستفزاز والقهر”.

تتعلق جريمة الشرف إذن بالتسلط والاستحواذ والملكية وما ينتج عن ذلك من تفاضل في مفهوم الشرف بين الذكر والأنثى، وهي أيضاً متعلقة بالجهل والخوف والاضطهاد وما يكرسه هذا الجهل وهذا الخوف والقهر من انصياع لضوابط المتسلط والتماهي معه.
ولا يقف هذا التماهي مع المتسلط الفرد بل ينسحب إلى تماه مع واقع الاستبداد السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع ،وهنا تظهر لنا جريمة ال ( شرف) الكبرى. جريمة انتهاك شرف وكرامة المجتمع بكامله، فالمستبد إذ يرى نفسه الذكر والسيد و المالك للأرض وما عليها، يتحكم بحياة الناس ويفرض شروطه عليهم ” فالأرض وما عليها أنثاه المطيعة”
ويكون مفهوم الشرف لديه منحصرا في الحفاظ على عفة الطاعة و الولاء وإذا ما خرجت (الأفراد/ الجماعات) عن قوانينه، كان له الحق حفاظاً على (شرفه وسلطته ومكاسبه) أن يحكم عليها بالقتل أو الحرق أو التجويع، وأن يتهمها بالخيانة والعمالة، ليضمن سيادته، واستمرار سلطته، ويعلن انتصاره

اترك تعليق