أسامة أبوديكار
__________________________
في العصور القديمة كانت توجد مسارح للمصارعة والقتال حتى الموت، حيث كان يسارع الجمهور لحضور تلك العروض ويحرض أحد المصارِعَين على قتل الآخر، بل لا تكون العروض حماسية إذا لم تكن الدماء تسيل..
هذا كان سابقاً.. فعندما كنا نقرأ في كتب التاريخ عن هذه العروض، أو حتى نشاهد فيلماً يعرض هكذا مشاهد، نستاء كثيراً ونقول كم كانت هذه الشعوب متخلفة وهمجية ووحشية.
ما يحدث في سورية اليوم يشبه تلك المسارح، من همجية ووحشية بل قد يفوقها بكثير.
فأصبح السوري يفرح لمقتل سوري آخر، لمجرد أن يكون مختلفا عنه، بالدين.او المذهب أو الانتماء السياسي أو المناطقي.
_________________
كيف نسير نحو سورية الجديدة؟!!
لم يذكر التاريخ أن حرباً انتهت بزوال أحد الفريقين المتحاربين من الوجود فالحروب كلها تقريبا كانت تنتهي على طاولة حوار تجمع الفرقاء، تصل بهم إلى تسويات أو تفرض شروط من أحد الطرفين
ولكن في الحالة السورية من هم المتحاربون؟! وما هي التسويات والشروط. حيث المتحاربون هم السوريون ذاتهم، وبعيدا عن سجال البدايات، إذ ثمة من يقول انها ثورة ضد النظام والديكتاتورية والظلم والطغيان، بينما فريق آخر يسميها المؤامرة من قِوى خارجية عبر أيادٍ داخلية، والبعض الآخر يسميها انتفاضة شعبية، وٱخرون حراكا.
إلا أن المسميات كلها لم تعد تعني شيئاً اليوم، فالمصطلح الحقيقي الذي وصلت اليه سورية اليوم هو مصطلح الكارثة.
وأصبحت تتواجد على الجغرافيا السورية أربعة جيوش أجنبية على الأرض، وهي أمريكا وروسيا وتركيا وايران، واسرائيل التي تقصف من الجو.
فعن أي ثورة يمكننا ان نتحدث، وعن أية مؤامرة يمكننا أن نقتنع، في ظل بلد تناهشته دول العالم ومخابراتها..
من ليس معنا فهو ضدنا، هكذا أصبح حال المواطن السوري، بينما كل فريق ينظر للدول الأجنبية الموجودة على الأرض السورية بأنها دول حليفة، متناسين بأن الدول ليست جمعيات خيرية، فهي لم تتدخل بالملف السوري لمصلحة السوريين، بل كل دولة دخلت تنفيذاً لمصالحها الخاصة، وساهمت بجعل سوريا ساحة صراع الآخرين ، تحولت معها من لاعب إقليمي، الى ملعب للجميع.
أما حال أبنائها اليوم، فمشتتون بين ملايين مهجرين في الخارج كلاجئين، وملايين مهجرين في الداخل كنازحين، والباقي منهم يقتلهم الفقر في ظل انهيار اقتصادي تتسارع وتيرته كل يوم وينذر بفقدان متطلبات الحياة اليومية والأساسية كحدٍّ أدنى للبقاء.
___________
وها نحن بعد أعوامٍ عِدّة، من الدمار والقتل والتهجير، والتكفير والتخوين، وبعد أن عبث الغرباء بهذا البلد، وانقسم الناس فيما بينهم،
و تعمق الشرخ الاجتماعي و المذهبي وايضا الطبقي تبعا للاستقطاب السياسي الذي غذى الصراع السوري_السوري خلال العقد الأخير إذ لا تنفصل المشاهد في حيثياتها عن بعضها البعض.. والمؤشرات السلبية والدلائل تنبىء عن كارثة انسانية لم يشهد التاريخ الحديث مثلها.سواء في الشتات السوري والظروف الإنسانية في المخيمات في دول اللجوء، أو الوضع المأساوي لمن بقي في الداخل السوري، بين فكي الموت جوعاً، أو استبداد قهري، منتظرين حلاً سياسياً من الدول صاحبة القرار، ولا حل في المنظور القريب.
وهنا لابد من السؤال:
ما الذي جناه السوريون خلال عشرة أعوام من عمر الكارثة السورية؟ من الذي انتصر؟! ومن المهزوم ؟!
وبإجابة بسيطة لا أحد، فقط هو السوري الذي يخسر، فقد خسر السوريون وطناً بات الأغراب يتنازعونه ويتقاسمون ثرواته.
إذاً.. سيبقى الحديث عن طول الأزمة.. واستمرار الكارثة.. والأشدّ خطورة الحديث عن مشاريع التقسيم في المنطقة، التي لم يعد الحديث عنها يجري تحت الطاولة، وعن مؤتمرات طائفية تجري هنا و هناك، لبحث مصير تلك الطوائف و القوميات، تمهيداً لإطلاق الدويلات الدينية أو القومية، في خطوة لاحقة.
والأشدّ خطورة هو حال السوريين الذين لم يعد يعنيهم ما يُرسَم لهم، فمطالبهم اليوم تنحصر بمحاربة الجوع، أو الهروب منه إلى أي مكان في العالم . وكأنهم أصبحوا جاهزين لأي مشروع يُفرَض عليهم.
_______________
فهل حان الوقت إذن لعقد سوري جديد؟!
وهل بات لزاما علينا واجب النهوض والصحوة، وكتابة عقد اجتماعي جديد، يكون فيه العمل السياسي مبنيا على المصلحة المشتركة لجميع السوريين؟!!
عقدٌ يعيد لهم أَلَقهم وفاعليتهم كسوريين حقيقيين كما عرفهم التاريخ، والاعتراف بحقوق الجميع دون استثناء، فسورية بلد متنوع، والتراث السوري يشمل كافة الحضارات التي عاشت وتعاقبت ولا زالت تعيش على الأرض السورية، والحفاظ على إرث وجوهر ومظاهر كل هذه الحضارات يشكل واجباً يرتبط بصميم الهوية السورية.
والمساواة بين السوريين في الذات الإنسانية والكيان البشري والمراكز الحقوقية وضمان حرياتهم في المجالات كافة، مسألة غير قابلة للمساومة، والتأكيد على مبدأ المواطنة، والجميع متساوون أمام القانون، ولهم جميعاً ذات الحقوق، وعليهم ذات الواجبات.
تلك مؤشرات يجب أن ننتبه لها كسوريين، لتكون مرجعاً واساساً يبنى عليه،وناظماً لأي مشروع سياسي يعمل من أجل إنقاذ البلد
علينا كسوريين أن نفتش عن طريقة للعيش معاً كما كنا في التاريخ السوري، الأعمق والأقدم من جميع الأديان والمذاهب والحكّام.
فسورية اليوم هي أحوج ما تكون إلى خطاب عقلاني يجسر الهوة التي خلقتها الحرب بين مكوناته ، خطاب مدني يؤكد على الثوابت الوطنية السورية. تكون المواطنة فيه من حق كل السوريين، وهذا ليس بمستحيل.