خيارات شباب السويداء المعقدة .. حراس أمنيون في الداخل .. أو مقاتلون في الخارج

مرتزقة سوريون في ليبيا

ضياء الصحناوي

بعد أن أنهكتهم البطالة، سجل آلاف الشبان من محافظة السويداء أسماءهم لدى العديد من المستقطبين الذين يعملون لصالح شركات أمنية روسية ومحلية متعددة للحصول على عقد عمل كحراس محليين على آبار نفط أو محطات حرارية تتبع للحكومة السورية أو لروسيا أو حتى لزعماء عشائر. أو مقاتلين خارج الحدود.
بين الهجرة والبطالة .. نزوح داخلي متعدد الاتجاهات
سنوات الحرب الطويلة جعلت شبان المحافظة ضمن خيارات محدودة كان أولها الهجرة لمن استطاع إليها سبيلا. فمنهم من اختار اللجوء مع عائلته في غالبية دول العالم، ومنهم من غادر نحو لبنان والعراق بعد أن أقفل الخليج أبوابه، وكانت تلك السنوات استنزافاً هائلاً لعامل الشباب، بلغ ذروته في العام 2015، ووصلت نسبة الهجرة إلى 20 % من سكان المحافظة جلهم من شريحة الشباب، لتخلف هذه الظاهرة خطراً من الدرجة الرابعة لأهم مقومات وجود المواطنين في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة.
أما الذين بقوا في الداخل وكبروا خلال سنوات المحنة ، فكان التجنيد الإجباري، والاحتياط، من أمامهم والبطالة والفقر من خلفهم، تلك الخيارات المعقدة التي نهشت أرواحهم، ودفعت بعضهم للانخراط في الفصائل المسلحة التي خلفتها الحرب رغم كونها لم تلامس السويداء بالعمق كباقي المحافظات السورية، لكنها ضربتها بالصميم من خلال تلك الفصائل و الميليشيات التي نشأت فجأة، كذلك العصابات التي اجترحتها جهات ضالعة بالحرب السورية، فكانت الضريبة عالية. والأفق يزداد انغلاقا مع مرور الوقت .
..
وبحسب مصادر أمنية مطلعة على ملف التجنيد الإجباري لشبان السويداء الذين لم يلتحقوا بالخدمة، أو فروا منها، أو المطلوبين للاحتياط، فإن العدد وصل إلى 25 ألف شاب، يحاول غالبيتهم كسر جمود حياته بطرق مختلفة للخلاص من هذا الجحيم، فمنهم من سوّى وضعه والتحق لفترة بالخدمة، ومنهم من وجد طريقة للهروب نحو الخارج، ومنهم من انخرط في احدى التشكيلات المسلحة المتعددة الانتماءات. ومنهم من يراقب أية فرصة عمل قد تغنيه عن كل ذلك.

هل التجنيد من أجل المال؟

كان الذهاب إلى “ليبيا” أحد الخيارات المتاحة أمام آلاف شبان السويداء العاطلين عن العمل أو المطلوبين الباحثين عن “موافقات أمنية”، وأمام العائد المادي الجيد الذي توفره روسيا (الباحثة عن موطئ قدم في إفريقيا بعد أن سيطرت على موانئ سورية، وأنشأت قاعدة “حميميم” العسكرية في “جبلة” حيث كانت هذه القاعدة الطريق الوحيد نحو “ليبيا” بواسطة طائرات شركة “أجنحة الشام” السورية الخاصة)، كان خيار الذهاب متاحاً للجميع على الرغم من كل الأصوات التي طالبت بعدم القبول لهذا العرض المغري، وبعد ثلاثة أشهر ونصف، عادت الدفعة الأولى محملة بعدة ملايين من الليرات السورية، (الراتب تراوح بين 1000-1500 دولار شهرياً) وهو ما دفع آلاف الأشخاص للتوجه نحو المكاتب العديدة التي أطلق على أصحابها إسم “مستقطبين” تابعين لشركات أمنية روسية، وخاصة شركة “فاغنر” التي فوضت بداية الأمر شركة “الصياد” الأمنية المحلية، ومقرها “حمص” للتعاقد مع أشخاص محليين برواتب عالية لاستقطاب الشبان من كافة المحافظات بعقود نظامية، وتسهيلات أمنية تطال المطلوبين للخدمة العسكرية، والفارين منها، وكذلك المطلوبين للقضاء بجرائم جنائية. وقد قبض هؤلاء الأشخاص عن كل مقاتل 100 دولار، بينما قبض سماسرة معروفين مبالغ أقل، ومنهم من فتح مكاتب خاصة لهذا الغرض في كل من مدينتي “شهبا”، و”السويداء”. (ملاحظة: جندت روسيا وتركيا آلاف الشبان السوريين للعمل كمقاتلين في ليبيا، فتركيا التي دعمت حكومة الوفاق الوطني الليبي كان جل مقاتليها من السوريين المنحدرين من الشمال السوري أو اللاجئين إليها، فيما اعتمدت روسيا التي دعمت اللواء حفتر على مجندين سوريين من المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية).
ومع صدور مرسوم رقم 55 للعام 2013 القاضي بالسماح بإنشاء شركات أمنية محلية بامتيازات متعددة تشرف عليها وزارة الداخلية؛ كانت هذه الشركات بما تتمتع به من حماية وامتيازات أمنية الوسيلة شبه الوحيدة أمام عشرات الآلاف من السوريين للعمل أو الهروب من الملاحقات الأمنية كخيار وحيد للعيش أو البدء من جديد في بلاد أنهكتها الحروب ونخرها الفساد.
وحتى الآن لا يتعدى عدد الشبان الذين سافروا إلى ليبيا 1900 شخص، بعد أن فشلت مخططات روسيا بالتجنيد نحو “فنزويلا”، وكذلك أفشلت الدعوات المحلية من قبل مشايخ ووجهاء لإيقاف نزيف الشباب وعدم انخراطهم في حروب الغير، كما أفشلت عدداً من الرحلات نحو ليبيا، (وهو موقف ثابت من أهالي المحافظة برفض التجنيد والارتزاق على حساب الدم مهما كانت الأسباب). فجاء الحل بالتعاقد معهم داخلياً في كل من حماة ودير الزور وحلب لحماية الطرق والحواجز وآبار النفط، ودخل على الخط بحسب أحد المقاتلين، شركات تابعة لرجال أعمال سوريين أسسوا مراكز كبيرة للعمل في حماية مواقع استراتيجية كآبار النفط والمحطات الحرارية، والطرق السريعة لصالح الحكومة أو روسيا؛ ولكن كانت التجارب مريرة.

المقاتل”حسن ح” قال لصدى الجنوب السوري: أنه طوال سنوات الحرب قاتل مع العديد من الميليشيات مقابل المال، ابتداء من “حزب الله”؛ و”الحرس الإيراني”، وليس انتهاء مع الشركات الأمنية الروسية. ولا يهتم كون الناس تطلق عليهم كلمة “مرتزق”، فهو يقاتل حتى يعيش، لكن تجربته الأخيرة مع شركة رجل الأعمال “حسام قاطرجي” كانت فاشلة، ولا يمكن- حسب وصفه- لآدمي أن يحتمل ظروفها في صحراء قاحلة بلا ماء أو طعام أو حتى لباس. وأضاف أنه بعد فرزه ومجموعته لحراسة بئر نفط في صحراء دير الزور اكتشفوا أنهم مقطوعون عن العالم وسط حقل محاط باللصوص وقطاع الطرق، ومن دون أية مقومات للعيش سوى خمسين ألف ليرة يصرفونها كلما أتت سيارة الندوة المتنقلة بأسعارها السياحية بحجة بعد المسافة والمحروقات. ويؤكد أن ظروفهم دفعتهم لشراء كل ما يمكن شراءه والاستدانة على الراتب البالغ 300 ألف. واكتشفوا أن كل تعبهم يذهب للشراب والطعام، فقطعوا عقدهم وعادوا عاطلين عن العمل.
وعلى السياق ذاته؛ فقد اختفى عنصران من شباب السويداء (معضاد علبة، وعمر غرز الدين) تابعان للشركة نفسها في بادية الرقة، وأعلن موتهما، وأخبرت عائلاتهما عنهما دون أي دليل على موتهما، ودون تعويض أو تبرير لفقدانهما، علماً أن راتب التعاقد الشهري لا يزيد عن 175 ألف ليرة، مع سلة غذائية شهرية.
فيما سقط مقاتل واحد من السويداء يدعى “يامن صابر الطرودي” يعمل مع روسيا في صحراء ليبيا بعد انفجار لغم أرضي به ورفاقه الستة.

تجارب مرّة:
الموظف “أ . ش” قال أنه يشعر بالذل كل يوم بسبب عدم قدرته على تلبية احتياجات منزله وأولاده، ولعدم قدرته على عمل إضافي مثل باقي المدرسين كون اختصاصه غير مطلوب، لذلك قرر تسجيل اسمه مع الشركات الأمنية بهدف الحصول على المال، مؤكداً أنه لا يشعر بالفخر لما فعله، لكنه لم يجد وسيلة أخرى، مشيراً في الوقت نفسه أن عدداً من زملائه المدرسين فتح بسطة خضار أو صنعوا عربات للفول والعرانيس، وباتوا يعملون عليها حتى ساعة متأخرة من الليل، فوجد أن الخدمة مع الشركات الأمنية أقل ذلاً، لكنه أشار أن ذلك لفترة مؤقتة وسوف يحاول أن يجد منفساً آخر.
بينما قال “علي ح” الشاب المطلوب للخدمة الإلزامية أنه التحق بشركة أمنية تدعى شركة “اليازجي” طمعاً بالموافقة الأمنية التي تعطى لمثل حالاته في حال الحصول على عقد عمل، وقد سجل معه أشخاص مطلوبون بجرائم تتعلق بالخطف والسرقة والمخدرات، وهم يسعون لبدء حياة جديدة بعيداً عن الجريمة، وليس أمامهم سوى هذا الطريق كما يدعون. وأشار أنه عازم على إيجاد طريقة للحصول على جواز سفر من أجل الهروب من سورية.
..
ان حالة تجنيد الشبان السوريين من عموم المناطق السورية لم تكن محصورة بميليشيا “فاغنر” الروسية التي تدعم قوات “خليفة حفتر” فحسب، بل عملت تركيا بموازاة ذلك على إرسال عناصر من التشكيلات العسكرية الموالية لها إلى ليبيا لدعم حكومة “الوفاق” الوطنية في طرابلس، وهذا ما أكدته تقارير دولية عدة.
صراع المصالح المحتدم بين روسيا وتركيا على ليبيا، شمل المجندين السوريين الذين أجبرتهم سوء الأحوال الاقتصادية على أن يكونوا بيادق ومرتزقة يخدمون أجندات ومصالح إقليمية ودولية. وقال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما “غوشوا لانديس”: إن روسيا وتركيا تعملان على زيادة العدة والعتاد لكل منهما في ليبيا حيث يأتي الدور الأوروبي بعدهما مباشرة. روسيا حاولت أن تباري مسعى تركيا لإرسال مرتزقة سوريين لكنها حققت نتائج متباينة.
وكشف تقرير سري أعدته الأمم المتحدة في أيار/مايو الماضي أن شركة “فاغنر” لها أكثر من 12 ألف مقاتل في ليبيا، فيما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في باط/فبراير 2020، إن مقاتلين من الجيش الوطني السوري المعارض الذي تدعمه تركيا موجودون في ليبيا بجانب قوات من الجيش التركي.
..
لقد فرض الواقع الاقتصادي المتدهور خياراته المرّة على آلاف الشبان من محافظتي السويداء ودرعا، ما جعل العديد منهم يلتحقون للعمل مع الشركات الأمنية أو الفصائل المتناحرة، ليدفعوا حياتهم ثمنا لتضارب المصالح بينهم و لتصبح خياراتهم منحصرة بين الهجرة وبين التطوع أو الخدمة الإلزامية، من دون ان يكون شبح الموت بعيدا عن اي من تلك الخيارات

اترك تعليق