معالم حوران الأثرية عراقة تطل على بؤس الحاضر

كاتدرائية خبب_ درعا

محمود حسن

حوران أو (حورين) وتعني في الآرامية بلد الكهوف، ووردت في التوراة باسم (باشان) أما الرومان فسموها (مملكة إهراءات روما) لوفرة محاصيلها وجودة قمحها.
تعد منطقة حوران من أغنى المناطق السورية، وأكثرها تنوعاً بالمواقع واللقى الأثرية بدءاً من عصور ما قبل التاريخ، مروراً بالحضارة النبطية والآشورية والرومانية والبيزنطية، وصولاً إلى عصر الحضارة الإسلامية. وتتوزع هذه المعالم والمواقع الأثرية في معظم أرجاء حوران سهلاً وجبلاً.
تعتبر مدينة درعا ( إذرعات ) من أبرز المدن الأثرية في حوران. فقد أثبتت بعض الحفريات التي قامت بها البعثات الأثرية الوطنية التابعة لدائرة الآثار أن البيوت القائمة حالياً تدل على وجود مدينة قديمة بائدة قائمة تحت المدينة الحالية. وتعود أول إشارة مكتوبة تذكر مدينة درعا إلى لوحات “تل العمارنة” المكتشفة في مصر عام “1882 ميلادي” والتي تعود إلى 400 ق.م. كما تضم المدينة الأثرية القديمة العديد من المناطق الأثرية أبرزها : المعبد والمسرح والكنيسة والطريق المستقيم.
وفي الجنوب الشرقي من حوران تقع مدينة بصرى الشام المشهورة بقلعتها ومسرحها الروماني. بالإضافة إلى الكثير من المعالم التاريخية مثل جامع فاطمة، مبرك الناقة، دير الراهب بحيرا، سرير بنت الملك، قصر تراجان، باب الهوى، قوس النصر، الكاتدرائية البيزنطية، باب منجك، الجامع العمري.
وهناك العديد من المواقع الأثرية في حوران أبرزها: “كاتدرائية خبب” والتي بنيت في العام 900 للميلاد، وفي مدينة ازرع توجد كنيسة ” مار جاورجيوس” التي بنيت في العام 516م على أنقاض معبد وثني، وفي بلدة الشيخ سعد يوجد ” حمام النبي أيوب” والذي شيّد في الألفية الثانية قبل الميلاد. إضافة إلى المئات من التلال والخروب الأثرية والبيوت الحجرية. وفي منطقة اللجاة العديد من المباني والقلاع الأثرية مثل “قلعة المسمية”
في المقابل وعلى امتداد سفوح جبل العرب يمتد الإرث الحضاري المشترك بحيث تسجل منطقة حوران سهلاَ وجبلاً تاريخاً وحضارة واحدة مشتركة ومتداخلة. ففي الريف الجنوبي لمحافظة السويداء تقع مدينة صلخد (صرخد) والتي ذكرت في رسائل “تل العمارنة” 1200ق.م تحتوي هذه المدينة التاريخية على العديد من المواقع الأثرية أهمها: القلعة وفيها نفق يربط بينها وبين قلعة بصرى. وتزدهر بيوت مدينة صلخد بالآثار الرومانية من أحجار مقوسة وأعمدة وتماثيل. وتعد قنوات واحدة من أهم المدن الأثرية الرومانية في الإمبراطورية الرومانية الشرقية، تاريخيا كانت القنوات تعرف باسم كانثا أو كاناثا. يوجد بها الكثير من الآثار الرومانية والبيزنطية، وهي مركز أسقفي ديني كان يحج إليه المسيحيون في القرن السابع الميلادي، ولها قداستها وأهميتها الدينية. وهي واحدة من تحالف المدن العشر (الديكابولس) التي لعبت دورا سياسيا هاما منذ القرن الاول ق.م وحتى الحكم الاسلامي .
أما مدينة شهبا فهي إحدى أهم المدن التاريخية المسكونة في سوريا، وتعود معظم آثارها وأوابدها إلى العصر الروماني وقد سميت قديماً فيليبوبولس نسبة إلى الإمبراطور الروماني فيليب ابن مدينة شهبا الذي حكم الامبراطورية الرومانية244م.
وكذا تزخر مدينة السويداء بالمعالم القديمة المتنوعة، ففيها بقايا الكنيسة الكبرى التي بنيت في القرن السادس للميلاد، بالإضافة للكنيسة الصغرى، والكثير من الكنائس الأثرية والمعابد والخزانات والتلال الأثرية ولوحات الفسيفساء. ونستطيع القول أنه تكاد لا تخلو منطقة في حوارن سهلاً وجبلاً من سحر التاريخ وعبق الحضارات السالفة لا يتسع المجال لذكرها.
لكن ما مصير المعالم الأثرية في حوران بعد عام 2011 ؟
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن السياحة في منطقة حوران لم تكن بالمستوى المطلوب قياساً بالغنى الحضاري للمنطقة، كما أن الكثير من المعالم الأثرية لم تولى العناية والاهتمام اللائق، كما تشير الدراسات والاحصاءات على وجود مئات المناطق والتلال الأثرية في سوريا عموماً التي تحتاج لكشف وتنقيب ودراسة. غير أن ظروف الحرب بعد 2011 غيرت من الأولويات، فليس من باب المجاز القول بأن الحرب قد دمرت البشر والحجر فضلا عن تدمير البنى التحتية والتهجير والقتل والنزوح الجماعي. حيث تعرضت وتتعرض المعالم الأثرية والمواقع التاريخية في حوران إلى أضرار جسيمة. ففي مدينة بصرى الشام تم توثيق تهدم “سرير بنت الملك” بشكل كامل وتضررت بشكل متفاوت كل من “مدرسة أبي الفداء الأثرية والجامع العمري، ومبرك الناقة، ومسجد فاطمة، ودير الراهب بحيرا” وفي هذا الصدد فقد أدان المدير العام لليونسكو ” إيرينا بوكوفا ” في شهر كانون الأول من عام 2015 الدمار الكبير الذي لحق بمدينة بصرى الأثرية نتيجة الحرب الدائرة وطالب الأطراف بالحفاظ على التراث الموجود في المدينة. كما دمرت الحرب أجزاء من محطات خط الحديد الحجازي في مدينة درعا. ونتيجة للفوضى الأمنية التي نشأت بعد عام 2011 ولغاية الآن وانعدام فرص العمل وغلاء الأسعار مع غياب الرقابة، فقد نشطت بشكل ملحوظ عمليات التنقيب غير الشرعية وأعمال الحفر العشوائي في المواقع التاريخية الأمر الذي تسبب في تخريب الآثار المطمورة بشكل كبير. وقد تواردت أنباء عن لقى أثرية عديدة تم العثور عليها في مناطق مختلفة لكن من دون وجود لأي جهات مختصة أو منظمات محلية أو دولية تعنى بالحفاظ على هذا الموروث الحضاري العالمي. وأكدت المصادر أن تهريب هذه الآثار يتم عبر الحدود مع الأردن كونها المنفذ البري الأقرب لتجار الآثار وقد كشف مدير عام دائرة الآثار العامة الأردنية “منذر الجحماوي ” أنه تم ضبط عدد لا بأس به من القطع الأثرية خلال السنوات الماضية أثناء محاولة تهريبها من سوريا للأردن وأكد أن دائرة الآثار الأردنية عملت على إنشاء مستودع خاص للآثار السورية المضبوطة على الأراضي الأردنية مشيراً إلى أنه تم حفظ الآثار بطريقة علمية للحفاظ عليها من العوامل الطبيعية وغير الطبيعية. هذا ويشار إلى أن 80 بالمائة من المواقع الأثرية في محافظة درعا تعرضت للنهب والتخريب والتنقيب السري. كما أكد المهتمون بالمعالم الأثرية إلى خطورة استخدام الآلات الثقيلة في عمليات الحفر والتنقيب مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بتلك المواقع وطمس معالمها. كما نوّه بعض الناشطين والمهتمين بالآثار إلى أن عمليات السرقة طالت بعض المتاحف.
ولابد من الاشارة هنا إلى وجوب العمل بشكل جاد مع كل الأهالي والمنظمات والجهات المعنية محلياً ودولياً لوقف كل الاعتداءات التي تطال المعالم الأثرية أولاً، وعلى ضرورة وضع خطة متكاملة مستقبلياً لترميم المعالم الأثرية التي تعرضت للتخريب، والتنقيب عن المعالم الأخرى بشكل علمي ومدروس وحمايتها، وكذلك العمل على إحياء السياحة في المنطقة والتعريف بها عالمياً، بوصفها رافداً مهماً للدخل الوطني وللسكان من شأنه أن ينهض بواقع المنطقة اقتصادياً.
……………………………………………….
المراجع:
– وكيبيديا.
– معجم المواقع الأثرية في سوريا. ” منشورات دار الثقافة دمشق. 2006
– الآثار في جبل حوران. علي أبو عساف. ألف ، باء الأديب، دمشق2009
– تحالف المدن العشر( الديكابولس)
تحالف روماني أنشأه الإمبراطور بومبيوس الكبير عام 64 ق.م. ضم الحلف عشرة من أهم مدن منطقة بلاد الشام وكان الغرض منه الوقوف ضد نفوذ الأنباط في الجنوب، ويكيبيديا

اترك تعليق