مفهوم العقد الاجتماعي


سلام علم الدين
..
يُتداول اليوم كثيراً مفهوم العقد الاجتماعي في سياق الصراع السوري، ويتم تناول الموضوع من ضرورة صياغة هذا العقد الجديد بين أبناء المجتمع السوري.
فما المقصود بالعقد الاجتماعي؟ ما هي طبيعته؟ على ماذا يقوم؟ وما هي أهدافه؟
بداية: تبلورت نظرية العقد الاجتماعي في الفلسفة الأخلاقية والسياسية في أوروبا خلال عصر التنوير في القرن السابع عشر، وهو يعنى ويهتم بمدى شرعية سلطة الدولة على الأفراد. حيث تنادي نظرية العقد الاجتماعي بالتحديد بضرورة قبول الأفراد بشكل ضمني أو صريح بأن يتخلوا عن بعض حرياتهم العامة ويخضعوا لسلطة الحاكم (أو لقرار الأغلبية) مقابل حماية بقية حقوقهم.
وقد لجأ المنادون به لتفسير كيفية نشأة الدولة وإلى سياق تطورها التاريخي، كما ساهمت نظرية العقد الاجتماعي في القضاء على الاستبداد السياسي الذي كان يمارسه الملوك والأمراء لفترة طويلة قبل تشكل الدولة الوطنية. ويعتبر خطوة تأسيسية نحو علمنة الدولة، والحد من سلطة الكنيسة، أي نقل مصدر السلطة من السماء إلى الأرض. حيث لم يعد الله هو واهب السلطة لفرد معين أو أسرة معينة، وإنما الأفراد المشاركون في هذا العقد هم مصدر هذه السلطة وأساسها.
الخروج من حالة الصراع بين البشر:
ميز الفلاسفة والمفكرون بين الحالة الطبيعية التي كان يعيشها الإنسان قديماً والتي تقوم على الصراع والتناقض بين المصالح والحريات، والحالة الاجتماعية والتي هي شبكة العلاقات المنظمة بين البشر.
وكان لهم فهم مختلف لحالة الصراع السائدة والتي تقوم على تناقض المصالح في الحالة الطبيعية، بناء على فهمهم لطبيعة البشر.
ففي حين يعتقد توماس هوبز الفيلسوف الانكليزي بأن الإنسان بطبيعته كائن شرير وعدواني وأناني، وهو السبب في حالة الصراع وعدم الأمان بين افراد المجتمع، غير أنًه بما يمتلك من العقل يستطيع الخروج من هذه الحالة، وهذا ما جعله يتوصل إلى عقد سياسي يحقق تنظيماً للعلاقات على أساس المساواة في الحقوق وضمان الأمن. وللوصول الى ذلك رأى هوبز بأن الحل في اعطاء الحاكم سلطة مطلقة.
لكن هذا القول لم يلق قبولاً لدى فلاسفة التنوير اللاحقين “لوك وروسو”. حيث أكد لوك أن الانسان خير بطبيعته وجعل من حق الملكية هو الأساس في العقد الاجتماعي وبأن ما دفع الإنسان للخروج من الحالة الطبيعية هي رغبته بأن يحقق المساواة بين الناس في ما يحفظ حياتهم، وحقهم أن يحوزوا كل ما يضمن لهم حياتهم، دون إلحاق الضرر بالأخرين، من خلال توزيع عادل للثروة المشتركة.
اتفق روسو مع لوك في أن طبيعة الانسان خيرة، وأن الشر ما هو إلا نتاج ميل الانسان ورغبته في التملك والاستحواذ، الذي بدأ يظهر في فترة لاحقة، الأمر الذي خلق تفاوتاً بين الناس وأدى بهم الى حالة الصراع، مما أوجب عليهم إبرام عقد ينظم الحقوق فيما بينهم وينهي حالة الصراع، على أن يتنازل الفرد لصالح المجموع العام مقابل تمتعه بالحقوق المدنية.
العقد الاجتماعي كمفهوم سياسي اجتماعي:
على الرغم من أن بداية العقد تعود إلى الفلسفة اليونانية إلا أنه لقي تطوره بشكل أكمل في أعمال فلاسفة التنوير في أوربا، هوبز ولوك وروسو ومونتسكيو”.
ويعتبر العقد الاجتماعي أساساً لظهور الدولة بمفهومها الحديث، وما تتضمنه من مفاهيم الحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية، وهو بمثابة القانون الوضعي المتفق عليه بين أفراد المجتمع لصون حقوقهم الخاصة والعامة وحرياتهم الاساسية. وتأكيداً على أن المصلحة المشتركة هي بتحقيق المصالح الفردية في إطار من العدالة والمساواة.
أسس العقد الاجتماعي:
يرى هوبز صاحب نظرية الإنسان العدواني والأناني أن الحاكم ليس طرفاً في العقد لأن سلطته مطلقة، ولا يحق للأفراد مخالفته مهما استبد على أن يحقق لهم الأمان ويدفع عنهم كل الأخطار الداخلية والخارجية. في حين أن الحاكم يعد طرفاً في العقد ومسؤولاً عن حماية حقوق الأفراد عند لوك، ولا يجوز أن يمتلك سلطة مطلقة، فهذا يخل أولاً بمبدأ المساواة بين البشر، ولأن ذلك قد يجعل الحاكم ينتهك العقد في سبيل بقائه في السلطة. ويعتبر جون لوك أول من تحدث بضرورة فصل السلطات، إلا أن الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو يعتبر المنظر الأهم في تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث: السلطة التشريعية – السلطة التنفيذية- السلطة القضائية. والذي يعد الأساس الذي قامت عليه دساتير الدول الحديثة.
أهمية العقد الاجتماعي لتطوير المجتمع السوري:
بالنظر إلى الواقع السياسي والاقتصادي والأمني السوري، سنجد أننا مازلنا حتى هذه اللحظة لا نعيش حتى مفهوم هوبز للعقد الاجتماعي، والذي يلزم جميع المواطنين بالتخلي عن حرياتهم الأساسية وحقوقهم الطبيعية، في مقابل تحقيق الأمن، والذي هو من واجبات السلطة الأساسية تجاه مواطنيها.
إن التوفيق بين الحق والحرية والمساواة هي مهمة تقع على من يُشرع العقد، بحيث يعتبر الشعب هو مصدر السلطات جميعها، وهو المؤسس للحقوق نظرياً وعملياً. فالحرية الجماعية التي يصوغها ويعبر عنها القانون، تنقلنا من حالة (التعايش) إلى حالة المواطنة، وتحقق المشاركة الفعلية للمواطنين، كما تصون الحريات الفردية في الآن نفسه.
وعليه فإن الحديث عن العقد الاجتماعي اليوم ليس حديثاً في التاريخ، وليس خطاباً للتنظير، بل هو ما نحتاجه اليوم للوصول إلى دستور جديد يمثل جيع السوريين ويعبر عن مصالح جميع شرائح المجتمع السوري أفرادا وجماعات، ومن نافل القول بان ذلك لن يتأتى إلا عبر البدء بحوار وطني حقيقي يجمع كافة الأطياف والمكونات الدينية والاثنية والمناطقية بهدف الوصول إلى تشكيل (مجلس حكماء) كممثلين عن مجتمعاتهم المحلية (الخاصة) تجمعهم هوية وطنية واحدة (الهوية السورية) تنبثق عنه لجنة مؤهلة ومصطفاة لكتابة الدستور السوري المعبر الحقيقي عن العقد الاجتماعي.

اترك تعليق