د. فندي أبوفخر

……….
تمهيد:
إن من يقرأ بعض المصادر العثمانية، وما دونه الرحالة الأوروبيون الذين زاروا حوران في القرن التاسع عشر ، مثل بركهردت الذي زار حوران عامي 1810 و 1812، ووليم رايت ، في كتابه( رحلة إلى حوران عام 1874) ترجمة كمال الشوفاني ، دار ليندا للنشر ، السويداء ، 2012 .
, ( voyage dan le houran 1857-1858 وغيوم ري
وهناك تقرير للقنصل الروسي في لبنان بيتكوفيتش ، (حوران والحورانيون) ، الذي زارحوران عام 1893 ، ونشرته في كتابي
(التاريخ الاجتماعي لحوران 1893 -1918 ) يجد من يقرأ هذه الوثائق أمثلة كثيرة ، وساطعة على فشل محاولات الإدارة العثمانية ، والإدارات المتعاقبة، في إثارة الفرقة والفتنة بين السكان ، رغم استغلالها للعامل الطائفي. والسبب في سياسة الدولة العثمانية هذه لتتمكن من نسف العلاقة بين سكان السهل والجبل في مواجهة محاولاتها لفرض التجنيد الإجباري على السكان ، ونزع سلاحهم ، وفرض الضرائب الباهظة ، وتحصيلها ، لكونها لم تتمكن من فرضها بقوة السلاح ، بعد هزيمة جيشها في معركة إزرع عام 1852، بقيادة والي سورية محمد القبرصي ، مستغلة التباين الطائفي بين سكان السهل وغالبيتهم من المسلمين( السنة) ، وسكان الجبل
،وغالبيتهم من المسلمين ( الدروز) ، والذين طالما وحدتهم المصلحة المشتركة في مواجهة سياستها ، فلجأت إلى العامل الطائفي البغيض للخلاص من ذلك التحالف.
…
1- سكان حوران في مواجهة سياسة السلطان عبد المجيد 1861-
:1899
حاول السلطان عبد المجيد (1839-1861) بعد طرد محمد علي من بلاد الشام نزع سلاح السكان ، وفرض التجنيد الإجباري ،وأخذ والي سورية محمد القبرصي بتنفيذ إرادة السلطان، فتوجه على رأس حملته إلى حوران ، عام 1852 دون أن يتوقع أنه سيواجه هناك هزيمة ساحقة (1).
من جانبهم، أخذ سكان جبل حوران يشكلون حلفاً قوياً يجمعهم سكان السهل واللجاة معا لمواجهة الحملة، ذلك أن طلبي نزع السلاح ، وفرض التجنيد يهدد حياتهم ، ويعرضهم لأخطار غزوات القبائل البدوية . وهذا ما يفسر المشيئة الاقتصادية والاجتماعية الواحدة التي وحدتهم ضد مظالم حكم محمد علي باشا ،لتوحدهم من جديد. وما أن وصلت الحملة إلى مدينة إزرع حتى اكتملت استعداداتهم العسكرية ، فهبوا لملاقاتها بقيادة الشيخ واكد الحمدان في تلك الأرض السهلية ، وسرعان ما أنزلوا فيها هزيمة نكراء، اضطر على أثرها الوالي إلى الفرار ، تاركاً أسلحته وذخائره ، ومؤنه، في أرض المعركة ، ليكسبها الثوار وتصبح مادة للتفاوض لفرض شروطهم على الوالي والسلطان ، والحيلولة دون توجيه حملة أخرى.
أشار لذلك د. محمد عدنان البخيت قائلاً : (وكان جيش عربستان الذي أرُسل لضرب المتمردين في حوران مُني بهزيمة مخزية(2)
عمقت استقلال حوران ، وصدعت جيش السلطنة الذي ( لاحقه الثوار حتى جبل لبنان) (3).
….
– وساطة الشيخ سعيد جنبلاط( 1814- 1861) (4) بين السلطان وسكان حوران:
اضطر والي سورية تكليف سعيد جنبلاط ، شيخ جبل لبنان بالذهاب إلى حوران ، ومفاوضة كبار مشايخه ، لاستعادة الأسلحة والغنائم التي استولى عليها ثوار حوران ، إذ شعروا أنهم معادل لوالي سورية ، طالما أن الشيخ جاء ليلتقي بهم في بصرى الشام ، ويحمل إليهم تعهداً من السلطان بعدم سوق أبنائهم إلى الجندية ، وعدم نزع سلاحهم ، حاملاً لهم هدايا ثمينة مقابل تسليمهم الأسلحة التي غنموها .
غير أن السكان لم يركنوا إلى ذلك التعهد ، لا سيما أنهم على دراية بغدر موظفي السلطنة ، التي أخذت تعتمد على أصحاب النفوذ في دمشق لتطويع سكان حوران .
وسرعان ما تبين لهم أنهم كانوا على يقين من تراجع الإدارة عن تعهدها ، عندما أرسل حليم باشا والي سورية عام 1862 ، يطلب من مشايخ جبل حوران دفع بدل عن سوق أبنائهم للجيش ، فأدرك أولئك المشايخ أن في ذلك فخاً للإيقاع بهم ، كما رفض فلاحو السهل تساهل مشايخهم مع مبعوثي الوالي ، ورفضوا أي اتفاق يضر بمصالحهم.
…….
– فشل محاولة أحمد آغا اليوسف (وهو والد عبد الرحمن آغا اليوسف الذي قتله ثوار حوران 1920، في خربة غزالة) .
استغل عبد الرحمن آغا اليوسف ، أحد زعماء الأكراد بدمشق خلافاً حصل بين سكان بصرى الشام و وسكان قرية بكا ، في الجبل، ليأتي على رأس قوى من الدرك لضرب وتفكيك هذا التحالف . وما أن وصل الدرك إلى بصرى الشام لاستغلال هذه الثغرة حتى
(طوى الفلاحون خلافاتهم وردوا الدرك معاً)(5)، ليعود خائباً.
….
-خاتمة.
يبدو أن الإدارات المتعاقبة لم تكف عن محاولات زج العامل الطائفي لإثارة الفتن بين سكان السهل والجبل واللجاة، غير أنها كثيراً ما لاقت الفشل والخيبة لمتانة العلاقة التاريخية بينهم. ولا تقتصر الأمثلة على معركة ازرع فحسب ، بل هناك أمثلة كثيرة ، منها على سبيل المثال عندما داهمت حملة سامي باشا عام 1910 جبل حوران والكرك ، جاء وفد من
حوران ، واجتمع مع عدد من المشايخ في قرية السجن (المزرعة اليوم )
لمناقشة سبل مواجهة الحملة ، وتفادي نتائجها الكارثية.
كتبت جريدة المقتبس الدمشقية بعددها رقم 443 تاريخ 19 آب 1910 مقالة حول هذه العلاقة بين سكان السهل والجبل جاء فيها : (إن متصرف لواء حوران لما كلف الحوارنة بتحرير نفوسهم ، قام سليم الصالح الزعبي وشركاه ، يظهرون الإباء ، ويحرضون الشعب المسكين على الامتناع ، وهم يخابرون مشايخ الدروز.)
و قُبيل المباشرة بالاجتياح العسكري للجبل، قام يحيى الأطرش ، شيخ مشايخ الجبل بإيداع أثاث داره في قرية بصر الحرير ، مثلما نقل الكثير من السكان أغنامهم ، وأبقارهم إلى قرى السهل الحوراني ، لتفادي مصادرتها من قبل عساكر الحملة .
أخيراً ، من الضروري البحث في بطون المصادر والمراجع المتعلقة بتلك الفترة لإظهار العلاقات المتينة بين أبناء الشعب الواحد ، لتعزيز الوحدة الوطنية ، بل ، وتعميق كل ما هو أصيل في تاريخ المنطقة لمواجهة سياسة الفرقة الطائفية ، والمناطقية ، والعرقية بين أبناء سورية في هذه اللحظات العصيبة التي تمر بها ، لتمتين الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد .
——————————
هوامش:
1- شوفالييه ، دومنيك ، مجتمع جبل لبنان في عصر الثورة الصناعية في أوروبة ، ترجمة عبدالله عاقوري ، دار النهارللنشر ، بيروت ،
1994 ص ،313- 314
2- البخيت، دكتور محمد عدنان . قضاء عجلون في عصر التنظيمات العثمانية
، لجنة كتابة تاريخ الأردن ، عمان ، 1994 ، ص 12
3- شوفالييه ، المرجع نفسه ، ص 472
4- كرد علي ، محمد .خطط الشام ، بيروت ، 1970 ، الجزء 3، ص 77
5- شيليشر ، د. ليندا فصل من تاريخ سوريا الحديث ، صور من حوران في القرن التاسع عشر ، مجلة دراسات تاريخية دمشق العددان التاسع والعاشر تشرين أول 1982 ص 154