أحراش السويداءمن قطع المحروقات، إلى تقطيع الأشجار

______ صدى الجنوب السوري

يروى أن الخليفة عمر بن الخطاب حين ولّى عمرو بن العاص حكم مصر، قال له :”ماذا تفعل إن أتاك سارق؟ فأجابه أقطع يده. فقال له الخليفة وأنا إن أتاني جائع من مصر قطعت رأسك.”
وقد نشأ في هذه القضية تفريق لاحق بين القطع والتقطيع فنحن نقطع الطريق بينما نقطّع الخضار، وقطع اليد تعني منعها من السرقة وكفّها، وسد ذرائعها.
وفي الجدل الدائر حول قضية الاعتداء على أحراش السويداء اليوم فقد أصبح النقاش مرهوناً بالخلفية الايديولوجية للمتحدثين، وموقفهم السياسي, والمصلحة الشخصية احيانا ً
فالذي يلقي اللوم على المجتمع، ويتهم مقطّعي الأشجار باللصوصية وفساد الأخلاق، يتغاضى عن المسببات الرئيسة التي تدفع الناس إلى البحث عن وسيلة للتدفئة، في حين قد يبرر البعض من الطرف المقابل مسؤولية الأفراد عن التقطيع العشوائي، ويبرر عملهم بحجة البحث عن مصدر للتدفئة مهما كلف الأمر؛ وفي كلتا الحالتين يستمر التقطيع سنة بعد أخرى، وتزداد الحاجة مع نقص الوقود المستمر ومع ازدياد الفقر، ما يجعل ظاهرة قطع الأشجار تستمر بالاتساع وتهدد المحافظة بمستقبل خال من الغطاء النباتي.

ربما لو استيقظنا قبل خمس سنوات على خبر تقطيع أشجار سدّ الروم، لكان لهذا الخبر وقع الصدمة علينا، ذلك المنتزه الطبيعي الذي اعتاد أبناء المحافظة وزوارها على قضاء العطلات فيه
. فما الذي تغير حتى تصله أيادي العابثين وتألف العيون مشاهدة أشجاره المقطعة؟!
من يقف وراء كل هذا السوء؟ ومن المسؤول عن الاعتداءات على الثروة النباتية الحراجية رغم ندرتها وضآلة مساحاتها في محافظة السويداء؟
توثق صفحات الأخبار في السويداء، ومع اقتراب حلول فصل الشتاء وبشكل شبه يومي أخباراً عن تقطيع الأشجار في أحراش الرحى وقنوات والكفر والعيّن ، وتمتلئ هذه الصفحات بصور سيارات تحمل كميات كبيرة من جذوع أشجار السنديان المعمّرة. حيث يباع طن الحطب منها ما يقارب 700 ألف ليرة سورية. بل و بدأت التحذيرات من اعتداءات وأذى وانتهاكات وسرقات تطال مناطق زراعة الأشجار المثمرة (التفاح والكرز)، مثل مناطق ظهر الجبل، ولا شكّ أن هذا التخوّف اليوم أصبح مبرراً عند المزارعين الذين ينفقون جهدهم وأموالهم في تربية أشجارهم ورعاية بساتينهم، علّها تعود عليهم بما يسدّ جزءاً من حاجاتهم.
وفي المقلب الآخر يطالب المواطنون يومياً بزيادة كميّة المازوت المخصصة للتدفئة، والتي لا تكفي_في أحسن الأحوال_ نصف شهر من أشهر الشتاء القاسي، كما شهدت المحافظة العديد من دعوات للاضراب والاعتصام والوقفات الاحتجاجية، للمطالبة بزيادة الكميّة حتى أربعمئة لتر، وقد رافقها توجه مجموعات من المواطنين إلى مديرية المحروقات، ومناقشة المسألة مع مدير شركة المحروقات في المحافظة (خالد طيفور)، والذي كان لسان حاله يؤكد في كل مرة ذات العبارة: “الكميات قليلة وغير كافية، ومحاسبة الفاسدين غير ممكنة”، كما أشار إلى أن المخصصات (50 لتر)، “لم يوزع منها إلا جزء بسيط في المنطقة الشرقية”.
ومن المعروف أن أيّ نقص في أحد المواد الأساسية وازدياد الطلب عليها، هو باب مفتوح للفساد.
حيث ان مادة المازوت تباع علنا في الشوارع عبر مئات البسطات بأسعار مرتفعة جدا تفوق قدرة المواطنين، ويعلم الجميع بأن مصدر المازوت هو الكازيات ذاتها.

من يتحمل مسؤولية حماية الثروة النباتية من التحطيب؟ وكيف يمكن لنا أن نحميها؟
لا شكّ بأن سوء التخطيط والإدارة، والفساد المستشري على كافة المستويات في القطاع الحكومي، والذي يؤدي إلى نقص وعوز في المحروقات، يعدُّ السبب الأساسي والرئيس لكافة النتائج اللاحقة، كما أن باب الفساد وتجارة المحروقات وتهريبها وبيعها بالطرقات, لا يمكن أن يُفتح إلا نتيجةً لهذه الأسباب مجتمعة. فالخمسون لتراً من مادة المازوت التي خُصصت للعائلة في مكان معروفٍ بقسوة شتائه كالجبل، من البديهي أن تدفع الناس إلى قطع الأشجار لتأمين ما يدفئ أولادهم ، ومن البديهي أيضاً أن تفتح المجال لتجارة هذه المادة عبر الاعتداء على احراج السنديان وتقطيعها ثم بيعها.
ولا شكّ أيضاً أن المسؤولية اليوم لحماية ما تبقى من الأحراش والأشجار، هي مسؤوليةٌ مجتمعية في ظلّ تراخي جميع الحلول الحكومية لتأمين ما يسد ذريعة التقطيع ويوقفها. وفي حين لا يمكن التعويل على الوعي البيئي أو القانوني في ظل ّ الأزمات الحادة التي تعصف بالمجتمع، كان لا بد من تكاتف الجهود لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، والبحث عن حلول لمعالجتها.
لقد أعلنت بعض الفصائل عن نيتها للتصدي لأعمال التحطيب الجائر وملاحقة القائمين بها. لكن هل هذا يكفي ؟! لاسيما في ظل حالة الفلتان الأمني و السلاح العشوائي الذي تعيشه السويداء؟!
فما هي الحلول المتاحة؟
يعود اليوم بعض المواطنين في القرى خاصةً للطرق القديمة في التدفئة باستخدام مخلفات المواشي، كما يعمل البعض على شراء الحطب المصنع من مخلفات عصر الزيتون. ومن المهم جداً الإشارة إلى حملات ومبادرات التشجير التي تقوم بها فرقٌ متنوعة في المحافظة والعمل على دعمها حكومياً من قبل مديريات الزراعة، وتوجيه أنظار المنظمات المدنية والهيئات الاجتماعية لتبني هذه المبادرات، فذلك قد يسهم في ترميم عمليات التحطيب وفي زيادة الغطاء النباتي. كما لابدّ من متابعة الضغط المجتمعي بكافة الوسائل السلمية لزيادة مخصصات مادة المازوت للمحافظة نظراً لقسوة مناخها. فإنّ وجدنا هذا الشتاء ما يمكن تقطيعه، قد لا نجده في الأعوام القادمة،
لا نزعم أننا نمتلك الحلول، ومثلما هي مسؤولية الجميع، هو سؤال مفتوح أمام الجميع، في واقع يفرض قسوته علينا يوماً بعد يوم، وسنةً بعد أخرى.
ما هي الحلول التي قد تفيد في تخفيف المعاناة من الصقيع القادم وتخفف في الوقت نفسه الآثار المدمرة لتحطيب الأحراش والأشجار المتبقية في السويداء وعموم الجنوب السوري.؟!

اترك تعليق