لطالما ظننت أنّ الأمهات تحيك الأطفال، وكنت مذهولة من قدرتهن على الخلق. كيف تحوّلن خيوط الصوف المتشابكة لطفل حي يلهو ويكبر. أذكر كيف كنت ألاحق أمي طالبة منها أن تحيك لي أختاً. وأؤكد عليها أن تختار خيوط باللون الزهري لتشاركني لعبة بيت بيوت. لأن أختي الكبرى تعشق كرة القدم والتسلق. وكنت أعتقد أنّ أمي أخطأت حين اختارت اللون لتحيكها، ولا أريدها أن تكرر الخطأ، ثم كنت أتساءل أيضاً لما اكتفت جارتنا التي لم تتزوج بعد بحياكة قفازات، ولم تبرع في حياكة طفل يؤنس وحدتها؟ رافقتني هذه القناعة في سنين عمري الأولى، قبل أن تصطدم وأصطدم بحقيقة أنّ الأطفال يتشكلون وينمون في أرحام الأمهات ببطء. في البداية قاومت حقيقة الأم الوحشية التي ابتلعت طفلاً ليكبر في أحشائها المظلمة، من ثم استسلمت لحقيقة الأمر.

كيف جئت؟ ومن أين اتيت؟ ولماذا لم يسبق أن رأيت رجالاً ببطون تنتفخ بالتدريج مثل بالونات؟ وهل الإنجاب حكراً على الإناث؟ وما علاقة فساتين الزفاف بالحمل لاحقاً؟ والكثير من الأسئلة المتعلقة بالتناسل التي يطرحها الاطفال على الوالدين. بيد أن الخجل والإرباك والتهرب عادة ما يميز إجابات الأهل عن أسئلة أطفالهم، ويدفعهم لتقديم إجابات غير دقيقة، وفي أحيان كثيرة تربك وعي الطفل. متجاهلين أهمية بناء وعي الطفل بطريقة تدريجية سليمة. وأثر ذلك على نمو وتطور الأطفال.

لماذا التربية الجنسية:

تقدم التربية الجنسية للأطفال الأساس السليم في عملية تكوين هويتاتهم الجنسية، وبناء شخصياتهم. من حيث كونها تقدم: المعرفة العلمية الضرورية حول تشريح الجسم، وفهم الاختلافات والفروقات بين الجنسين، والتغيرات التي تحدث خلال مراحل النمو المختلفة. وتقدم أيضاً، الأمان والحماية وفهم الحدود الشخصية وأهمية الموافقة، و التي تعتبر جزءاً حاسماً من التطور العاطفي والاجتماعي للطفل، وتعزز الثقة بالنفس وتنمية القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة ومسؤولة، والقدرة على التعبير عن المشاعر وفهم الاحتياجات العاطفية.

إذا كان هدف التنشئة الاجتماعية والتربية عموماً، يتلخص بتدريب الأفراد على أدوارهم المستقبلية، وتنشئتهم على القيم الاجتماعية والأعراف السائدة في المجتمع. ليكونوا أعضاء متلائمين مع المجتمع. فإنّ التربية الجنسية تعد ركنًا أساسيًا من أركان هذه التنشئة. ولا تقتصر التربية الجنسية على عملية نقل المعلومات العلمية، والمعارف والخبرات إليهم بما يخص المسائل الجنسية وحسب، بل هي عملية متكاملة تهدف إلى  بناء شخصية الطفل من مختلف الجوانب الصحية والنفسية والبيولوجية والثقافية. فالتربية الجنسية هي مسار اتصال مستمر وتفاعلي بين الطرفين، (الأهل أو المربين والأولاد). يتلاءم مع احتياجات الأطفال واهتماماتهم، مخاوفهم، ومشاعرهم، أسئلتهم، وتوفير بيئة آمنة تمكنهم من التعلم و الاستكشاف والمعرفة، وبناء شخصياتهم. 

متى تبدأ التربية الجنسية؟

يُعد حبّ الاستكشاف هو أساس التّعلّم لدى الأطفال. حيث يهدف الى التّعرّف على الذّات، ويرافق الطفل في مراحل نموه. وهنا يجدر بالأهل أو المربين الإجابة عن تساؤلات الطفل، وتوفير البيئة الآمنة والحوارية أمامه، للتّعرّف على جسده والفروقات الطبيعية بين الأجساد.

يخطئ الأهل حين يعتقدون أن عزوف ابنهم أو ابنتهم عن السؤال حول المعرفة الجنسية، هو عدم رغبتهم في المعرفة أو انعدام الفضول لديهم، بل العكس، قد يكون لديهم فضول عال في الحصول على المعرفة، لكن لم يشعروا بإشارات تعطيهم الأمان والحرية للسؤال والنقاش.

إن تأجيل الأهل، أو تهربهم من الإجابة على تساؤلا ت أطفالهم المتعلقة بالجنس، أو تقديم إجابات مترددة وخجولة، أو مضللة. من شأنه أن يزيد الفضول والشكوك بأذهان الاطفال، وتدفعهم للبحث عن المعلومات من مصادر أخرى. والتي غالباً ما تكون من الأصدقاء أو الانترنت والتي تعتبر مصادر غير آمنة.

هل تشجع التربية الجنسية النشاط الجنسي المبكر؟

يؤمن الكثير من الأهالي في مجتمعاتنا المحلية، والعربية عموماً بالمفعول السحري لكلمتي عيب وحرام. لذا يشهرونها بوجه أطفالهم علها توصد باب التساؤلات، وتكبح الفضول والرغبة بالاستكشاف. ما يولد لدى الأهل إحساسا ً وهمياً بالأمان، بأنّ طفلهم ما زال جاهلاً بالأمور المتعلقة بالجنس.

وبحسب منظمة الصحة العالمية أنّ برامج التربية الجنسية المصمّمة جيداً، والمقدمة بطريقة علمية صحيحة تدعم اتخاذ القرارات الإيجابية حول الصحة الجنسية. وتشير البيانات إلى أنّ النشاط الجنسي يتأخر إذا كان الأطفال قد تلقوا تربية جنسية صحيحة.

 فالتثقيف الجنسي الشامل والتربية الجنسية الصحيحة، كل منهما يلعب دوراً مركزياً في إعداد الأطفال والمراهقين/ات لحياة آمنة ومنتجة ومتوازنة.

أهمية التربية الجنسية في تعزيز المساواة

إن إدراك أهمية التربية الجنسية للأطفال،هو ما يفتح الباب أمام الوالدين للعمل منذ وقت مبكر على بناء وتطوير مفهوم المساواة في الأسرة، وتجاوز الذهنية التمييزية التي تتسم بها التنشئة الاجتماعية التقليدية، لصالح الذكور وتكريس شعور الفوقية لديهم. حيث يعتبر من السلوكيات الشائعة، تفضيل الوالدين أحد الجنسين على الآخر بالأفعال أو بالكلمات، وتحديد السلوكيات المقبولة وغير المقبولة بناء على نوع الجنس.

كما يسهم المنزل من خلال التربية القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، في تكوين هوية جنسية صحية عند الطفل، وتعزيز ثقتة بنفسه، والتقليل من الخوف والقلق والشعور بالذنب. بالتالي تساعد الطفل على النمو بشكل سليم، ويصبح أقل عرضة للاعتداء، ومخاطر العنف والاستغلال وإساءة المعاملة.

“لا يمكن لمركب كبير أن يبحر في مياه ضحلة”. إنها حكمة قديمة تقودنا إلى أن نربي أنفسنا أولاً. ليتوفر فينا عمق كاف يتمكن الأطفال من خلاله الإبحار بأمان في هذا العالم.

اترك تعليق