عن إيمان الكفري..وهجرتها المعاكسة

بساط الجنوب
السيدة إيمان الكفري من جمرّين- ريف درعا

ماهر المونس- موقع وجوه أهل الشام

خلعتْ إيمان الكفري بزّتها الرسمية، وتركت عملها في أحد المصارف بدمشق، لتعود بعد ثمانية وعشرين سنة من العيش في المدينة، إلى مسقط رأس والدها في قرية جمرين بريف درعا، وترجع إلى ملابس قريتها التقليدية، في رحلة، سمّتها “الهجرة العكسية”، وجدت فيها ضالتها وذاتها.

إيمان الكفري- بالزي الحوراني التقليدي

عاشت إيمان مع والديها وإخوتها في العاصمة معظم سنوات طفولتها وشبابها، وتخرّجت من كلية الاقتصاد، وعملت ضمن مجال دراستها، لكنها قبل نحو عامين، قررت أن تتخذ خطوة جريئة نحو الأمام، وترجع إلى قريتها الصغيرة في جنوب سوريا قادمة من المدينة المزدحمة المليئة بالصخب. الى أحضان الطبيعة

تقول إيمان (30 سنة) بلهجتها المحلية، وهي ترتدي عباءة مزركشة بالطراز الدرعاوي “البحثُ عن هويتي وذاتي، هو ما دفعني لترك حياتي المستقرة وعملي وعلاقاتي في دمشق، والعودة إلى مكان أستطيع أن ألبس وأتحدث وأتصرّف فيه كما أحبّ وأرتاح وأشعر”.

أسست إيمان فور عودتها إلى جمرّين مبادرة ذاتية أطلقت عليها اسم “أركان للتنمية” لاستثمار الموارد البشرية والطبيعية والتراثية في الأرياف، وما لبثت ان ضمّت في عائلتها  شابين وخمس فتيات أخريات، لا تفارقُ الابتسامة وجوههنّ، فخورات بما وصلنَ إليه حتى الآن، ويطمحنَ للمزيد، تعرّفتُ عليهنّ في صالة عرض “زوايا” في منطقة القصاع بدمشق.

بساط الجنوب

وبعد أشهر من تأسيس مبادرتها، تعرّفتْ إيمان على السيدة خلود الهنيدي، التي أسست هي الأخرى عام 2017 ورشة في مدينة السويداء اسمها “فجّة خرق” لإحياء التراث وإعادة تدوير الأٌقمشة، وبناء علاقات بين سيدات السويداء، وبين السيدات الوافدات من المدن الأخرى خلال الحرب، ولا سيما درعا.

وهنا، أطلقت إيمان وخلود مبادرة “بساط الجنوب” كعمل جماعي هدفه الأساسي، إحياء التراث المشترك وكسر الصورة النمطية عن العلاقة المتوترة بين المدينتين الجارتين في جنوب سوريا، السويداء ودرعا، بالاعتماد على “البساط” أحد أبرز معالم الهوية التراثية في تلك المنطقة.

بحماسة منقطعة النظير، جمعتْ خلود وإيمان، خمسة عشر سيدة من درعا والسويداء، وتدربن معاً على صناعة البسط، باستخدام السنّارة ونول المسامير الدرعاوي، والنول التقليدي في السويداء، وأنتجن بشكل مشترك ثمانية بسط.

تقول إيمان “ليس كلاماً إنشائياً، لكننا في الحقيقة لم نكن ننسج بسطاً فحسب، بل كنّا نحاول إعادة نسج علاقات كادت أن تقطع على مدى اثنتي عشرة سنة بين المدينتين”.

لمحة عن جمرين

(بكسر خفيف للجيم والميم، وتشديد الرّاء مع كسرها، وتسكين الياء والنون).

هي قرية صغيرة تقع في شمال مدينة بصرى، شرق درعا، في جنوب سوريا. يقطن في هذه القرية نحو ألف نسمة، وفيها شارع واحد يعرف ساكنوه بعضهم البعض.

أخبرتني إيمان أن في القرية نحو 240 دفتر عائلة فقط، وحدّثتني عن غنى جمرين بتراث وآثار على صغر مساحتها، إذ تضم قصوراً رومانية وطبيعة ساحرة كانت تُغري الرومان قديماً فجعلوها مركزاً للاستجمام.

وعن سبب التسمية تقول إيمان “عندما ثار بركان جبل العرب، تشكّلت القرية بين سَيلين من الحُمم والجمر، فصارت بين جَمرين، وتحوّل الاسم مع الوقت ليكون جمرّين”.

وعملتْ “أركان” على برامج سياحية طبيعية، تدعم من خلالها أبناء القرية، من خلال جولة مجانية على معالمها الأثرية لأي شخص يتطوع بإعطاء علم أو مهارة للتلاميذ والطلبة.

قرية جمرّين- ريف درعا

وأضافت “أركان” تجربة السياحة الصامتة، كنوع من العلاج النفسي، في ظل الظروف الصعبة والضاغطة التي تمرّ على الناس، وتقول إيمان” للأرياف دور كبير في التعافي ولا سيما على الصعيد النفسي، لذلك نخوض تجربة السياحة الصامتة، بحيث نبقى صامتين لمدة قد تصل ليوم كامل مثلاً، في مكان طبيعي، لا يوجد فيه أي أثر للبشر”.

تُضيف إيمان “تخيّل نفسك بين الأحجار والأشجار، في بقعة لا يصلها صوت آلة أو رائحة دخان أو مركبة أو سيارة، كل ما تسمعه وتلمسه وتشمه هو من الطبيعة.وعندغروب الشمس، سيحصل معك ما حصل مع الجميع… سوف تبكي كثيراً”.

إقرأ أيضاً وجوه من حوران

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.

اترك تعليق