التنميط الجنسي وتكريس العنف

التنميط الجنسي
اللوحة للفنان منصور الحناوي

                         

يبدأ. التحريم من اللغة، عبر عملية ربط بين الدال وهو اللفظ المستخدم، أي اللغة المباشرة أو غير المباشرة، وبين المدلول وهو القضية أو الموضوع المراد تجنبه والابتعاد عنه. وغالباً ما يرتبط التحريم بعدم الفهم، ويلفه نوع من التعمية وغطاء من الجهل، ليصبح موضوعاً مسكوتاً عنه.

غير قابل للنقاش أو الحوار، مجهولاً، ومحرماً. ويشير جاك لاكان أن “بنية اللاشعور بنية لغويَّة بالدرجة الأولى، فهو الذي يتكلَّم داخل الإنسان. ويعتقد لاكان فـي هـذا الخـصوص أن الأعـراض السيكولوجيَّة ذات طابع لاشعوري ويمكن فك رمزيتهـا بنـاء عـلى هذا الأساس، وهذا ينسحب على ذكريات الطفولة، ونمط الحياة والمفـردات الخاصة. ويعتبر ربط المواضيع المتعلقة بالجنس.

بمفهومي العيب والحرام من السمات الشائعة في أساليب التنشئة الجنسية الأسرية السائدة

التنميط الجنسي
خوف الاطفال

فاستخدام كلمات (عيب- حرام) من الأهالي مع أطفالهم بلغ مستويات عالية جداً، وهو يبدأ في سن مبكرة قبل أن ينضج عند الأطفال فهم واضح للتصورات الاجتماعية، ولا لمعاني هذه الكلمات ودلالتها.  وتستخدم هذه الكلمات ذات الدلالة الرادعة والناهية، بتكرار ملحوظ سواء عند توجيه أسئلة جنسية من قبل الأطفال لأهاليهم، أو في حال لاحظ الأهل أي سلوك للطفل يحمل دلالة جنسية، (وضعيات الجلوس – الألعاب الجنسية، اكتشاف الأعضاء الجنسية ..الخ)، ويستقر في وعي الطفل الذكر والأنثى على السواء تراكمات نفسية تجاه موضوع الجنس يعجز عن تفسيرها، وترافقه إلى وقت طويل خلال مراحل النمو ( البلوغ وما بعد البلوغ)، يقول هشام شرابي أن موضوع الجنس موضوع محرم في العائلة، والحياة الجنسية يلفها غشاء من التكتم والسرية،

إن التنشئة الجنسية الأسرية التقليدية قائمة على القمع والتعنيف والكبت، وهو ما يخلق حالة خوف من السؤال لدى الأطفال، وشعور مستمر بالذنب ويخلق فجوة أمام تكوين صورة كاملة عن الجسد، وعن المشاعر عند الأطفال، وبالتالي إمكانية التعبير عن هذه المشاعر، وكذلك عدم القدرة على فهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم وكيفية التعامل معها. إن شعور الذنب الذي يرافق الطفل عند تعنيفه يسبب حالة من ضعف الثقة بالنفس، وتقدير الذات، مما يسهل مستقبلاً استغلاله دون إدراكه أن ما يقع عليه هو عنف أو استغلال. كما تؤكد الشوفي أن عمليات الكبت والقمع والتعنيف وعدم الاعتراف يولد الغضب، والذي  يغذي العنف بدوره، ويولد مشاعر سلبية، مثل مشاعر حقد تنعكس بسلوكيات عدوانية تجاه (الذات -الأقران -الأزواج) وعادة ما يلجأ الأهل لتعنيف أطفالهم جسديا أو تأنيبهم عندما يتعلق الأمر بالأمور الجنسية بدلاً من إعطائهم معلومات تلائم المرحلة العمرية أو آليات حماية مثل تعليمهم حدود الجسد وخصوصيته.

 التنميط الجنسي وتكريس العنف:

يعرف التنميط الجنسي على أنه “اكتساب السلوك المرتبط بالأدوار الجنسية الذكرية أو بالأدوار الجنسية الأنثوية، في مراحل النمو المختلفة.  ويعمل هذا النوع من التنميط على غرس الاتجاهات وأوجه النشاط التي تناسب جنس الطفل (ذكر أو أنثى) وذلك من خلال ما تم التعارف عليه في الثقافة التي ينشأ فيها الطفل، فالمعتقدات والاتجاهات وأوجه النشاط الاجتماعي التي تتم فيها التنشئة، هي التي تحدد الأدوار المناسبة لكل جنس. ومن الطبيعي أن يتفاوت الأهالي في اتجاهاتهم نحو سلوك أبنائهم، ولكن بصورة عامة ينظر إلى بعض صفات السلوك كالعدوان البدني الظاهر، السيطرة، التخريب، العناد، الغضب، والاستقلال، بأنها سمات تخص الذكور، بينما الخوف، الاتكالية، الضعف، الوقار الاجتماعي، العاطفة هي من صفات الإناث.

التنميط الجنسي
سيغموند فرويد

وتتسم أساليب التنشئة الجنسية الأسرية السائدة في بيئة مجتمع الدراسة (محافظة السويداء) بحسب الأخصائية في علم النفس التربوي: د. نجوى نادر ” بالتنميط الجندري والتمييز على أساس الجنس بدءاً من المراحل المبكرة من حياة الطفل (من حيث اختيار ألوان الملابس، ونوعية الألعاب لكل من الذكور والإناث، وطريقة التعامل مع الحاجيات الأساسية اليومية) إن هذه التنشئة تعمل على تكريس صفات محددة على كل من الذكور والإناث وتضعهم في قوالب وتصنيفات تعميمية لا تعبر عن حقيقة ذواتهم. كما أن معظم الآباء والأمهات يميزون في المعاملة بين الذكور والإناث خلال سنوات الطفولة، فمثلاً يهتمون اهتماماً بالغاً بتحصيل الأولاد واستقلالهم، وبدفعهم للمنافسة وتحملهم المسؤولية، أما الفتيات فإن التركيز والاهتمام يكون أقل على جانب المنافسة، وأكثر على الجوانب الخلقية والسلوكية مثل الاستقامة واستحقاق الثقة. ويشجع الوالدان في الغالب على الاستكشاف والتجريب في الحياة بالنسبة للأولاد الذكور واكتسابهم السلوك الملائم لجنسهم من ناحية السمات الذكورية، في حين يكونوا مع الإناث أكثر قلقا ويزيدون من تقييد أنشطتهن ويشرفون عليهن إشرافاً دقيقاً. تقول (س.ح) وهي فتاة في نهاية المرحلة الثانوية: ” لا أستطيع أن أخرج من البيت من دون موافقة أهلي حتى ولو أردت الذهاب إلى السوبر ماركت في حين أخي يصغرني بثلاثة أعوام ليس مضطراً بأن يخبر أحداً أو يأخذ الإذن إذا أراد الخروج من المنزل، أبي يقول: أخوك أصبح شاباً يجب أن يتعلم ويختبر الحياة.” وبطبيعة الحال لا يتوقف التنميط الجنسي على الوظائف والأدوار المناطة بكل من الذكر والأنثى بالمجتمع، بل ينسحب ذلك على السلوك المتوقع لكل منهما في مواقف معينة، ولا شك أن التنشئة الجنسية التي يتعرضون لها تهيئهم لهذه العملية. ونستطيع أن نميز في هذا التنميط الجنسي عدة آليات حاضرة في مجتمع الدراسة تكرس العنف ضد المرأة وتغذيه.

أقرأ أيضاً

التنشئة الجنسية، الأسرية والعنف ضد المرأة

اترك تعليق