مسائل لغوية( نحو تقعيد معاصر)الجملة الاسمية..مشاكل تسميتها

                   

أيمن كمال مراد

لا مشكلة في بنية الجملة الاسمية، فهي تقوم بوظائفها اللغوية كاملة، المشكلة حسبما سيعرض هذا المقال تكمن في تسميتها، فتسميتها ترتكز إلى معايير وضوابط وضعها أئمة النحو في مراحل سابقة واستمرت إلى الآن، فنحن في هذا المقال سنعرض بما يتيحه المجال مشاكل التسمية ونشير بشكل سريع إلى النتائج المترتبة على مغالطة التسمية. 

عندما نقول إن الجملة الاسمية تتكون من المبتدأ والخبر، وكلاهما اسمان، فإننا نلغي تضمين الزمن والحدث (أحدهما على الأقل) من معاني الجملة الاسمية، وهذا الإلغاء فيه مغالطة كبيرة، تناقض بنية الجملة الاسمية وتسطّحها لأنها تمنع عنها الدقة والحصر (حصر المعنى) وتجعلنا نتعامل مع جملة تضمنت الحدث والزمن حقًا، لكن لا تريدنا أن نعترف بهما.

الجملة الاسمية في اللغة العربية هي كل جملة بُدئت باسم (مبتدأ) حتى لو لم يكن خبره اسمًا ظاهرًا، فنحن نقول: (السماء تمطر) هذه جملة اسمية، السماء مبتدأ وجملة الفعل(تمطر) خبره، ونقول: (السماء ماطرة) مبتدأ وخبر. ولو قلنا: (تمطر السماء) لأصبحنا أمام جملة فعلية، والسبب أن كلمة السماء في الجملة الأولى سبقت الفعل فتعرب مبتدأ وفي جملة (تمطر السماء) تأخرت عن الفعل فتعرب فاعل، مع أنها في الجملتين هي فاعل من حيث المعنى، لا مشكلة حقيقية في هاتين الجملتين، المشكلة في الجملة الاسمية التي خبرها اسم ظاهر حسب تصنيف فقهاء اللغة، فجملة (السماء ماطرة) هي حسب تصنيف النحاة جملة اسمية، الخبر فيها اسم ظاهر هو:( ماطرة)، لكن هل كلمة ماطرة اسم حقاً؟ 

حسب فقهاء اللغة هي اسم لأنها تقبل التنوين وتقبل ال التعريف، ونقر هنا بقبول الخبر للتنوين ولنا فيه وجهة نظر سنوضحها بعد قليل، أما فيما يتعلق ب ال التعريف فلا تلتحق بالخبر إلا في حالات نادرة جدًا ولم تعد تستعمل أي أن اللغة الحية الآن لا تستعمل الخبر المخصوص المحلى بأل التعريف كالتعبير المشهور (الدين النصيحة) ،  إذن الخبر لا يقبل ال التعريف، وإذا قبلها كف عن كونه خبرًا وأصبح نعتًا، أي كف عن كونه عمدة وأصبح تابعًا, الخبر عمدة في الجملة الاسمية والنعت تابع في الجملتين الاسمية والفعلية، يمكنكم أن تستحضروا أي مثال وستجدون أن الخبر لا يقبل ال التعريف، والكلمة التي وقعت خبرًا قد تقبل ال التعريف في مواقع أخرى لكن لا تقبلها حين تكون في موقع الخبر. 

هذا يعني أن أول صفات الاسم (ال التعريف) نُفيت عن كلمة ماطرة فإذا قلنا مثلًا (السماء الماطرة) فالسامع ينتظر منا أن نكمل لأن الجملة لم تكتمل بعمدتيها (المبتدأ والخبر) فكلمة الماطرة هنا أصبحت نعتًا والمستمع ينتظر الخبر في الجملة السابقة، يتوقع مثلًا أن نقول: (السماء الماطرة جميلة)، لأن ال التعريف عندما التحقت بها أخرجتها من موقع العمدة(الخبر) إلى موقع التابع (النعت). لكن ماذا عن التنوين؟؟ هل يمكن أن نعتبر التنوين هنا نون توكيد؟ لا شك أن التنوين يحمل معنى التوكيد (الصوتي على الأقل) ولو افترضنا أن نظام الكتابة العربي يعتمد رسمًا آخر للتنوين غير مضاعفة الحركة، فبدل أن نكتب ماطرةٌ بضمتين(تنوين) كتبنا ماطرتُنْ بضمة ونون ساكنة، الكلمة لفظيًا لم تختلف، فالتنوين حسب تعريف النحويين هو نون ساكنة قبلها ضمة إذا كان تنوين الضم، أو فتحة إذا كان تنوين النصب، أو كسرة إذا كان تنوين الجر، وبالتالي ما الفارق بين التنوين ونون التوكيد الخفيفة التي تتصل بالمضارع؟ 

 لنسأل الآن السؤال التالي: هل هناك صيغ صرفية معينة يلتزم فيها الخبر؟ وما هي هذه الصيغ؟ 

يمكنكم أن تستحضروا معي الآن كل التراكيب التي نطلق عليها تسمية (جملة اسمية)، وستلاحظون أن الخبر لا يأتي إلا: إما اسم فاعل بصيغته العادية، أو بإحدى صيغ المبالغة لاسم الفاعل (بما في ذلك الصفة المشبهة باسم الفاعل)، أو اسم مفعول، أو إحدى صيغ المصدر. 

كلمة ماطرة في المثال السابق هي صيغة صرفية لاسم الفاعل من الفعل الثلاثي مَطَرَ فهو ماطر وهي ماطرة، ولندقق الآن فيما تحمله هذه الصيغة من ميزات الفعل، فنحن نعلم أن الفعل يتميز بالدلالة على حدث وزمن معاً، وكلمة ماطرة دلت على حدث (المطر) وعلى زمن هو الزمن المستمر. لنلاحظ أيضًا أن فقهاء اللغة حين أطلقوا تسمية (مضارع) على الفعل المضارع، قالوا نسميه مضارعًا لمضارعته لاسم الفاعل أي لمشابهته لاسم الفاعل، أي أنهم لم يكونوا غافلين عن أن اسم الفاعل يتضمن معاني الفعل حقًا.  

في جملة مثل: الرجلُ محمودٌ، كلمة محمود هنا وقعت موقع الخبر، وصيغتها الصرفية اسم مفعول، والمعنى المراد من الجملة هو: أن هناك كثيرون يحمدون الرجل، أي أن صيغة اسم المفعول هنا أفادت الفعل المبني للمجهول، على عكس اسم الفاعل التي تفيد الفعل المبني للمعلوم، ويصبح الرجل هنا بمقام نائب الفاعل لأن فعل الحمد يقع عليه فهو بالأساس مفعول به لكن لغياب الفاعل (أحد عمدتي الجملة الفعلية) ينوب المفعول به عنه ويأخذ محله الإعرابي (الرفع).

كذلك الأمر إذا كان الخبر بأحد صيغ المصدر، فعندما نقول: الموتُ حقٌ، فكلمة حق جاءت خبرًا بصيغة المصدر والمصدر كفعله يتضمن معنى الحدث لكن بزمن مطلق أي مستمر.

ما تقدم من كلام أعلاه هو حديث في نحو اللغة، في قواعدها، ويمكن لنا أن نتوسع ونستطرد باستحضار الأمثلة ومناقشتها، ومناقشة العمدة ودوره في الجملة، وأن الجملة العربية لا تستقيم إلا إذا كان أحد عمدتيها يتضمن كامل صفات الفعل، بل فعل حقيقي بزمن حقيقي وحدث حقيقي، ويمكننا الاستطراد و   مناقشة النواسخ التي تدخل على الجملة الاسمية، أو دخول حرف الجر الزائد(الباء) على خبر ليس أو ما يعمل عملها حصرًا، لكن لا يتسع هذا المقال لذلك، إنما سأنتقل لمناقشة الجملة الاسمية من منظور فقه اللغة وليس من منظور قواعدها وأقصد بفقه اللغة :(المنطق الداخلي الناظم لبنية اللغة والذي يجعل العلاقات بين مكونات الجملة علاقات منطقية تؤدي دورها اللغوي).

إن إلغاء الزمن والحدث كليهما أو أحدهما من دلالات الجملة الاسمية يجعلنا أمام جملة تشير إلى معنى ما، لكنها لا تحدده تمامًا لأننا نفترض سلفًا أنها فقدت أحد ركنيه على الأقل إما الزمن أو الحدث، لكن الحقيقة غير ذلك، فالجملة الاسمية تقوم بوظيفتها اللغوية على أكمل وجه، والمشكلة في التسمية وليست في البنية. 

لا يمكن التقاط المعنى (أي شكل من أشكال المعنى، حتى تلك المعاني الأكثر تجريدًا) دون الزمن، فالزمن مكون أساسي من مكونات المعنى، ولأن الجملة الاسمية تدل على حدث بدون زمن، فهي إذن لا تؤدي دورها الوظيفي لغويًا حسب تعريفات النحاة، لكن الحقيقة أنها تؤدي معان واضحة وتقوم بدورها الوظيفي على أكمل وجه، فالمشكلة ليست في بنية الجملة الاسمية إنما في التسمية والتصنيف النحوي لها، فنحن عندما نسميها جملة اسمية ندّعي أنها لا تحدد الزمن، لكن حقيقتها أنها تحدده بوضوح، بالإضافة الى تحديد الحدث، فنحن نعلم أن صيغ اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر كلها تشير إلى حدث بمعنى الأفعال المستخرجة منها، فعندما نقول السماء ماطرة فنحن نشير إلى فعل المطر، واسم الفاعل يشير إلى استمرار وكثرة قيام الفاعل بفعله وصيغ المبالغة تعني المزيد من الكثرة والاستمرار، واسم المفعول يعني استمرار وكثرة وقوع الفعل على المفعول به، والمصدر يعني اطلاق الزمن أي استمراره مطلقاً، أي استمرار الفعل بزمن دائم ومستمر.  

إن التسمية المضللة (الجملة الاسمية) هي تسمية استندت إلى أن الجملة اللغوية هي وحدة كلية مستقلة بذاتها، وهذا قد يناسب علم النحو لكنه بالتأكيد لم يعد يناسب علم البلاغة وفروعه الحديثة الممتدة إلى اللسانيات وفروعها في السيميائية والدلالية والوظيفية الخ… 

أصبح من الضروري إعادة النظر بعلاقة النحو بالبلاغة في اللغة العربية على ضوء علم اللسانيات، وهنا سنكون مجبرين على إعادة الاعتبار لبنية الجملة الاسمية لنقول إنها ظُلمت بهذه التسمية، والمظلوم الحقيقي هو العربي الناطق بالعربية الذي استند في تناوله للنص إلى تسميات خادعة حجبت عنه الكثير من الدلالات والايحاءات وبالتالي جعلته قارئًا أو مستمعًا يُمارس عليه شكل من أشكال الوصاية المضللة في أثناء قيامه بتحليل النص أو محاولة فهمه، وهذا أخطر ما في الموضوع.

القارئ عندما يريد أن يقوم بتحليل نص من النصوص فإنه يقوم بذلك وهو تحت وصاية التسمية (الجملة الاسمية) فيسقط منه جزء من النص فقط لأن التسمية حجبت عنه دلالة موجودة فعلًا في الجملة والنص، لكن التسمية تنفي وجودها. 

سنفرد مقالًا للحديث عن الزمن في اللغة العربية وآخر للحديث عن مشاكل أو خطورة الجملة الاسمية على فهم النص. فالمقام هنا لا يتسع للتوسع أكثر. 

يتبع…

اترك تعليق