هل من مهمات الدراما الواقعية. التعبير عن المجتمع وقضاياه أم طرح الحلول؟
ليس هذا السؤال بجديد في عالم الدراما والفن عموماً، وليست الإجابة عنه في متناول اليد، لكن هل الإشارة إلى الحلول (الحقوقية – القانونية- الإجتماعية) في قضية المرأة لن يصب في فخ التكرار أيضاّ؟

بداية نقول ليست الإشكالية بتقديم حل من عدمه، بل بكيفية الطرح وعدم الاستهانة بالمتلقي في الشكل والمضمون، بحيث يؤثر العمل بالمتلقي، وبقدرته على الربط والتساؤل. وهذا أسلوب ذكي عند بعض صناع الدراما، بحيث يتم إشراك المتلقي في التفكير، كالطرح في المسلسل الكوميدي “ضيعة ضايعة” عندما يخصص الكاتب بعض الحلقات للسخرية السوداء من تهميش المرأة سياسياً واجتماعياً وهيمنة الرجل على خياراتها ومشاركتها. فعندما نتحدث عن الدراما، فإننا لا نتحدث عن عمل بحثي يطرح الاشكالية ويقدم الحلول، بل عن عمل درامي يحوي حكايات وحبكات من شأنها تحفيز المشاهدين وفتح أذهانهم وإشراكهم في الاستنتاج عبر طروحات ربما تكون مفتوحة.
تغييب الادوار
وليس المطلوب تغييب الأدوار النمطية الموجودة، إن كانت مهمة العمل الدرامي التعبير عن الواقع الذي تتفشى فيه الأدوار النمطية أصلاً، بل من المهم عرضها بما يوازي وجودها، ولكن من شأن الدراما أيضاً الوقوف على حالات كسرت هذه النمطية لتبيان الوجوه الأخرى للمرأة السورية.
فالمطلوب إذاً من الأعمال التي تدّعي الواقعية، عرض القضايا المجتمعية بعمق وحبكة درامية مشغولة بدقة، ومعالجات فنية تتناسب مع خصوصية الكتابة وشكل التلقي في هذا النوع الدرامي، الذي من شأنه أن يثير القضية ونقدها، ويفتح الباب أمام النقاش والعمل على حملات التأثير والمناصرة نقدياً وإعلامياً وربما أكثر من ذلك…
إن كان ليس لنا أن نطالب كتاب ومنتجي الدراما بحبكات مختلفة عما يحاولون قوله، إلا أننا نطالب بعدم تسطيح القضايا والتعاطي معها كعناوين عريضة فقط، أو تكرار مقولات شعبوية من دون النظر في تفكيكها، أو التسطيح والتناقض في الطرح، كما في مسلسل ” كسر عضم” الذي يطرح القضية النسوية ويصدم المشاهد بتحميل الفتاة مسؤولية التحرش بها بسبب لباسها، حتى لا نعرف حتى اللحظة، إن كان المقصود فعلاً هو تحميل النساء مسؤولية تافهة كهذه أمام جرم التحرش! أم تمرير مقولة ذكورية ألا وهي أن الرجل الذي يعتبر جيداً في مجتمعنا لا يزال ينظر لقضية المرأة هذه النظرة!
لا شك أن تكرار ذات الاشكالات الاجتماعية في الأعمال الدرامية ليس عبثياً، بل يعني أن المجتمع يعاني منها وبقوة، ولا ضير من هذا التكرار لو كانت السردية الدرامية السورية تمتد لتشمل جميع الفئات السورية وكل الاحتمالات الموجودة لقصص مغايرة موجودة بالفعل، ولو كانت المعالجة بشكل فني درامي أعمق وأقرب ومشغول بحرفية، أما تكرار السردية الدرامية السورية على السطح والحوم حولها دون غيرها وغياب الحس النقدي، فيمكن قراءته بشكل موجه ومرسوم، مغيِّب لقضايا هامة تخص المرأة وخالق لهوة بين الدراما وجمهورها.
القضايا النسوية في الدراما
لم تحاول الدراما التلفزيونية انتاج أعمال عن تاريخ النسوية في سورية من تجمعات ومؤسسات ومنتديات ثقافية لتبيان تأثيرها ودورها، ولم تتطرق لتجارب ناجحة عن نساء سوريات حاولن التميُّز والتغيير قبل الاستقلال أمثال (لبيبة هاشم، ماري عجمي، ثريا الحافظ….الخ) ولا حتى تجارب النساء المناضلات في الأحزاب مثلاً وما تعرضن له، ولا تجارب المعتقلات والناشطات الآن/هنا، بل همش هذا الجانب حتى الآن، وتم طمس هذه المحاولات لنساء قويات حاولن التغيير، ليضيع منه النور أو أي جانب ايجابي ممكن طرحه.
وتعد محاولات دلع الرحبي في “عصي الدمع” ومحاولتها مع ريم حنا في “الفصول الأربعة” ومية الرحبي في ” فسحة سماوية” وفادي قوشقجي ” ليس سراباً”، أعمالاً لافتة وجديرة بالاهتمام. أما الاستمرار فيحتاج لجهود مضاعفة خشية الوقوع في مطب التكرار والمباشرة.
أما أعمال البيئة الشامية فتقدم صورة مغايرة تماماً للمرأة في الشام ” دمشق” في المبالغة باستكانتها، مروراً بانتهاك حقوقها بسلاسة دون إثارة أي جدل، وهناك أمثلة كثيرة كمسلسل “باب الحارة” و”حارة عزيزة”….الخ، وهي مسلسلات لا يمكن مقارنتها مع ما قدمه هيثم حقي في “خان الحرير” و”الثريا” و”الأيام المتمردة”…الخ.
التماهي
كما لا بد من الإشارة إلي تماهي الدراما بمحاكاتها مع مركزية مفترضة للإسقاط الاجتماعي، (دمشق والمحافظات الكبرى كحلب والساحل)، وعدم التفاتها للتنوع الثقافي ( أكراد- شراكس- أرمن…/ دير الزور- عفرين- القامشلي- درعا- الرقة…..)، وبالتالي لم تصور ثقافة المرأة في كل البقاع السورية.