صدى الجنوب
…..
” الخطف، إجرام يهدد محافظتي درعا والسويداء”
…….
تحتكر الدولة العنف والسلاح، وتمارس من خلال هذا الاحتكار واجبها الأساسي بحماية المواطنين/ المجتمع/ عبر تطبيق القانون وتحقيق العدالة، وهذا هو الشكل الوظيفي للدولة ومؤسساتها. أي أن تكون خادمة للإرادة العامة محققة للأمن والاستقرار، ومن هنا تنبع شرعيتها. في سوريا وبظل التراجع شبه التام لهذا الدور، وعلى امتداد سنوات النزاع تنامت الفصائل والميلشيات، وانتشر السلاح بشكل عشوائي، بهدف الحماية الذاتية، ونتيجة الشعور بفقدان الأمن والاستقرار. وقد ترافق ذلك مع انتشار للعصابات الاجرامية التي اعتمدت على السلب والنهب والخطف وفرض الخوات، وانخرطت في اقتصاد الحرب والتهريب والأعمال الإجرامية، وقد أدى كل ذلك إلى انخفاض معدل الأمن بشكل خطير لا سيما بين محافظتي درعا والسويداء، حيث ساهمت عصابات الخطف وداعميها، بخلق حالة من التوتر الدائم بينهما.
ومما لا شك فيه أن الفلتان الأمني، وارتفاع نسبة الجريمة داخل كل محافظة على حدة، يساهم في تفكيك النسيج المجتمعي، وتهديد السلم الاجتماعي ضمن النطاق الجغرافي لكل محافظة، وينعكس سلباً على العلاقات بين المحافظتين. ففي حين شهدت المحافظتين حالات خطف وقتل واعتداءات وسرقات واشتباكات مسلحة، فيما بينهما. تشهد كل محافظة وبنسبة أعلى في داخلها هذه الحالات، غير أن التركيز غالبا ما يكون أكبر في القضايا المتعلقة بحالات الخطف أو القتل بين المحافظتين، وهذا التركيز الكبير سواء اعلاميا أو من حيث تداعياته الأمنية والاجتماعية يعود لسبيين:
الأول من قبل الناشطين والمهتمين بالسلم الأهلي والاجتماعي، خوفاً من تبعاتها التي قد تجر المحافظتين إلى مواجهات أكبر.
والثاني هو النزوع نحو الاتهام والتجييش، وانتشار خطاب الكراهية على أساس هوياتي. الشيء الذي يظهر وكأن المناطق المتجاورة بين المحافظتين أصبحت جبهة قتال، في حين لا يخفى على أحد أن معظم الحالات (خطف – قتل – سرقة – اشتباكات – قطع طرقات) التي تهدد أمن المحافظتين، تنتشر داخل كل محافظة، وتهدد أمنها بشكل يومي، بنسبة جرائم تخطت كل الحدود. ويمكن هنا الاستناد إلى توثيق شبكة السويداء 24 للتدليل على خطورة الفلتان الأمني وارتفاع نسبة الجريمة، فقد وثقت الشبكة خلال عام 2020، مقتل 137 شخصاً وإصابة 171 آخرين في محافظة السويداء، جراء حوادث العنف التي شهدتها المحافظة، والتي تتوزع ما بين اشتباكات وخطف واغتيالات وجرائم جنائية ومخلفات الحرب والانتحار والاستخدام الخاطئ للسلاح وجرائم بدعوى الشرف، بينما وثقت شبكة درعا 24 ، لنفس العام مقتل 425 شخصاً بينهم 145 مدنياً وإصابة 275 شخصاً بينهم 157 مدنياً، وكان ذلك أيضاً جراء اشتباكات واغتيالات وانفجارات ومخلفات الحرب ورصاص طائش، وحوادث الخطف والسرقة والمشاجرات العائلية.
يشير ما سبق أن الاستقرار الأمني أولوية لدى المحافظتين وهذا ما انعكس في نتائج استبيان أجراه فريق بحثي مهتم بتعزيز السلم الأهلي على شريحة عشوائية من 400 شخص بين المحافظتين، إذ أعطت الشريحة الأكبر من المستهدفين بالاستبيان الأولوية في الوقت الراهن للمصلحة الأمنية. كون المحافظتان تأثرتا بشكل كبير وعلى كافة المستويات نتيجة انخفاض معدلات الأمان. كما توضح نتائج البحث أن انخفاض معدلات الأمان شكّل معوقاً رئيسياً أمام استثمار المصالح الاقتصادية، ما أدى إلى انخفاض حادٍ في نسب التبادل التجاري، وإلى توقف تبادل الأيدي العاملة بين المحافظتين، إن كان في مجال العمل الزراعي أو في الأعمال الحرة، كما أنّ انعدام الأمان على الطرق الواصلة بين المحافظتين، منع استمرار عمل الموظفين من كل محافظة في المؤسسات الحكوميّة في المحافظة الأخرى، وقد ساهم انخفاض معدل الأمن في خلق علاقات متوجسة بين المحافظتين، مما أدى إلى تراجع وتيرة العلاقات الاجتماعية وأفضى إلى انكفاء كل محافظة على ذاتها والانغلاق على الأخرى.
يعتبر تحقيق حد أدنى من الأمان هو الشرط الرئيسي لانفتاح العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظتين، ويخفف من حدة أي توترات تنشأ عنها، وهذا يرتهن أولاً باستتباب الأمن داخل كل محافظة على حدة، حتى يصبح استتباب الأمن بين المحافظتين أمر ممكن وسهل. ولا يمكن أن يتحقق ذلك من إلا خلال تطويق العنف والجريمة الذي يمارس في كل محافظة، والتنسيق المشترك بين القوى الفاعلة، التي تعمل على رأب الصدع بين المحافظتين وإجماعها على هدف وموقف واحد تجاه أي جهة تتسبب في خفض معدلات الأمان، وقد بينت المصالحات التي تمت في الفترة الأخيرة بعد أحداث القريا وبصرى الشام كيف يمكن لهذا التواصل أن يسهم في خفض التوتر وحقن الدماء بين المحافظتين.
ولا بد أن تتوحد الجهود سواء (الاعلامية- قادة الرأي- منظمات المجتمع المدني) في الضغط على كل الجهات المعنية لمكافحة الجريمة والفلتان الأمني.
ان الحاجة اليوم تزداد الى محاربة خطاب الكراهية الذي يكرس التمييز ويقوض قواعد السلم الأهلي والعيش المشترك، و تلك مسؤولية الجميع دون استثناء: افرادا وجماعات، مثقفين و وجهاء اجتماعيين ورجال دين و جميع القوى المجتمعية الفاعلة
ولابد في الوقت ذاته من تحديد المسؤول عن الفلتان الأمني، وتفكيك الأدوار المناطة بقوى الأمر الواقع، سواء السلطة القائمة التي تخلت عن مهامها في حماية المجتمع، و ما نتج عنه من انتشار الجريمة وظهور عصابات الخطف والسرقة والإجرام ودورها المباشر في زعزعة الأمان، وتهديد المجتمع .
أو القوى الاقليمية والدولية التي تقدم نفسها كضامن لتحقيق الأمن و وقف النزاع
فطالما أن هذه العصابات تمارس نشاطها دون رادع داخل المحافظتين، سوف يستمر التهديد، وتستمر عمليات الخطف وما يستتبع ذلك من خطف مضاد ومواجهات، وخلق نزاعات ومآسي بين الجارتين.
————————–
هوامش:
– شبكة السويداء 24، التقرير السنوي لتوثيق الانتهاكات لعام 2020 في محافظة السويداء، صادر بتاريخ 1/2/2021م، أسماء جميع الضحايا موثقة مع تاريخ وظروف مقتلهم في تقارير رصد العنف الشهرية على موقع الشبكة، ومسجلين في الأرشيف.
– شبكة درعا24، التقرير السنوي لتوثيق الانتهاكات لعام 2020 في محافظة درعا، صادر بتاريخ 3/1/2021م
