خيارات جنوب سورية بين هلاك اقتصادي أو يقظة تحسن الواقع


محمد الحمادي


………..
ترصد دراسات أجرتها منظمات تابعة للأمم المتحدة ارتفاعا متزايدا في نسبة البطالة في سوريا بلغت 83%، فيما سجل عداد الفقر نسبة 90%، هذه الأرقام تكشف عن مدى المعاناة الكبيرة التي تعصف بسوريا، دون السعي لإيجاد أي حلول، ما دفع فئة الشباب المتبقية في البلاد للسعي الحثيث للهجرة، بعد فقدان الآمال بالعثور عن فرصة عمل تساعد في سد رمق عائلة قد لا تخلو من أطفال أو مسنين.
الجنوب السوري، ناله نصيب كبير من هذه المأساة، حيث يرزح اليوم تحت وطأة الفقر بعد تدهور الزراعة التي كانت تعتبر عصب الحياة في المنطقة الغنية بخصوبة أرضها وغلالها الوفير لدرجة أنها كانت توصف على مدى التاريخ بأنها “إهراءات روما” لأنها كانت توفر للإمبراطورية العظمى الحبوب والبقوليات والخضار، لكنها اليوم لم تعد قادرة على تأمين لقمة العيش لأبنائها.
فالسويداء التي يتصدر التفاح زراعات الأشجار المثمرة فيها، سجلت تراجعا كبيرا لموسم 2019، وفقا لإحصائيات وزارة الزراعة السورية ، حيث بلغ نحو 21 ألف طن، بعدما قارب إنتاج المحافظة 79 ألف طن خلال عام 2018، ووصل إلى 83 ألف طن عام 2016، وفي درعا التي كان إنتاجها من القمح عام 2010، أكثر من 120 ألف طن، انحدر لـ25 ألف طن عام 2018، وفقا للوزارة ذاتها، وكانت تنتج من البندورة نحو 450 ألف طن تراجع في إحدى سنين الحرب إلى 20 ألف طن.
حال التراجع هذا ينطبق على عشرات الأصناف التي تنتجها المحافظتين مثل الزيتون والعنب والفواكه والخضروات والبقوليات والحبوب، لأسباب كثيرة منها الحرب وانعدام الأمن وانتشار حالات الخطف، والإهمال الكبير من قبل وزارة الزراعة فلا أنواع بذار جيدة ولا مبيدات فعالة ولا أسعار مشجعة للمزارعين تسعى الحكومة لتأمينها، عدا عن انتشار حرائق غير مسبوقة في أوج عطاء المواسم ما ألحق خسائر كبيرة دفعت المزارع لهجر أرضه والبحث عن أي فرصة عمل.
شح المياه ساهم أيضا بشكل كبير في تدهور الواقع الزراعي في الجنوب السوري بعد انخفاض مستوى المياه الجوفية في الآبار الارتوازية وجفاف الوديان حتى البحيرات التي كانت غنية بمصادر مياهها جفت بشكل كامل مثل بحيرة “المزيريب” التي لم يسجل التاريخ أن مياهها غارت من قبل، ومثلها عشرات السدود اختفت بحيراتها، ما ينذر بجفاف التربة وتصحرها لاحقا.
أوضاع الناس جنوبا ليست افضل من شمالها ووسطها، لكنها اكثر تصحرا وبؤسا لغياب اية نوايا بالمعالجة، سواء من الجهات الرسمية او القوى الفاعلة على الأرض، باستثناء تحويلات فردية “لا تغني ولا تسمن من جوع” ولا تشكل حاضنة لحلول قريبة تنقذ ما تبقى من حيوات الناس هناك. مع ازدياد حجم الفقر، ودخول الجوع لغالبية البيوت، جراء الحرب الطاحنة، التي تدهورت بسببها غالبية قطاعات الحياة من زراعة وصناعة وتجارة، جعلت البطالة تدب بين الناس وتفرغ معها الجيوب وما تبقى من نقود، طالما وصف أصحابها أنها مخبأة للأيام “السود”.
للخروج من هذا الواقع لابد من العمل على بناء روابط تجارية وتقوية العلاقات بين جارتي الجنوب السوري السويداء ودرعا، لتحقيق الأمن الغذائي فالمنتجات التي تعطيها أرضهما كفيلة بإحداث اكتفاء ذاتي، وذلك عبر تشكيل لجان مختصة تعمل على تحسين الواقع الزراعي واستقطاب المستثمرين والداعمين من أبناء المحافظتين لمساندة المزارعين برؤوس الأموال مقابل عائدات من الأرباح، وإقامة مصانع تستوعب الإنتاج كمعامل الكونسورة والعصائر والمربيات والمعاصر والمطاحن، بما يعود بالمصلحة على المدنيين والمزارعين وتوفر الكثير من فرص العمل.
وهذا يضمن أيضا تنشيط الأسواق المحلية وإمدادها بحاجة المدنيين، واستثمار خيرات الأرض الكثيرة من حبوب وخضار وثمار أشجار الزيتون والتفاح والعنب والفواكه وغيرها، ويجعل الجنوب مقصدا للأيدي العاملة بعد أن تركته أعداد لا تحصى من أبنائه للعمل في المدن الكبرى والدول المجاورة والبعيدة، وهذا كله يرتبط بتوفير وتعزيز السلم الاهلي والعيش المشترك كاولوية وإلا خيارات بديلة متوفرة في القريب بمعزل عن ارادة وقوى ابناءه للدفع بما ينقذ الناس من هلاك او هجرة او فتنة ليست ببعيدة

اترك تعليق