عذراء..ابرة و خيط !!

مسلسل وُصِف بالجريء؟!!!!

“طلقني لأنّي عذراء إبرة وخيط” ،”هلأ أنا قدام جريمة شرف من الطراز الممتاز”

،”فوتي انضبي ياعايبة”..

هكذا جاءت بداية مسلسل ( نساء من هذا الزمن ) للكاتبة “بثينة عوض”  والمخرج” أحمد ابراهيم أحمد” ، والذي أنتج عام 2013 وعرض في عدة قنوات تلفزيونية  سورية و عربية منها mbc 

والذي وصف ب (الجريء) لكونه يتناول واحدة من القضايا الحساسة في المجتمعات العربية وهي قضية (العذرية)، ليكتشف المشاهد بعد متابعة المسلسل، بأن هذا التوصيف إنما لأسباب تسويقية ليس أكثر، إذ اقتصرت تلك الجرأة (المزعومة) على طرح القضية كما هي مكرسة في المجتمع من دون أية معالجة نقدية أو قانونية لها، ومن دون التوقف أمام الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة من تبعات المسألة سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي أو على الصعيد القانوني 

ولعل أول انتهاك يقوم به صناع  العمل هو هذا الاستسهال في طريقة طرح القضية وإطلاق أحكام القيمة على الشخصيات من دون البحث في السياقات النفسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المحلي، ومن دون تقديم رؤيا نقدية للقوانين التمييزية التي تعاني منها المرأة، بل عمل على تكريس الصور النمطية السلبية عبر رسمه لمصائر الشخصيات ومآلات الاحداث، وكأنه يوجه دعوة للنساء أن يقبلن بهذا الواقع على حاله وبهذا القضاء كما هو. 

سؤال مفتوح!

في تعريف المسلسل:  أنه يتناول هموم ومشاكل المرأة من خلال قصة ثلاث نساء، الأولى طبيبة نفسية، والثانية محامية، أما الثالثة فلم تكمل تعليمها، ومن خلال قصص النساء الثلاث يدخل المسلسل إلى تفاصيل تخص حياة النساء ومشاكلهن ويعالج قضايا تتعلق بالمرأة السورية، 

حيث يبدأ المسلسل حلقاته الأولى فى مشهد (ليال – هبة نور)، والتي وجدت نفسها في ورطة مع زوجها حين اكتشف أنها ليست بكراً ليرفع ضدها دعوى طلاق  تحت عنوان غش وتدليس 

(الاسم الذي يوحي بأن هذا النوع من الدعاوى القضائية  ينحصر في بيع سيارة أو أرض أو بضاعة، لتفاجأ بأنه يشمل أيضا جسد المرأة وخصوصيتها الجنسية.)

 كان خوف “ليال” من الفضيحة مفهوماً في  ظل الأعراف التي تقوم عليها مجتمعاتنا، إلا أن السؤال هو في الطريقة التي عالج بها المسلسل هذه المسألة، وهل تجرأ على الوقوف إلى جانب المرأة في الدفاع عن حقها في امتلاك جسدها، ومساحتها الشخصية ؟ أو فتح الباب على الأقل لطرح وجهة نظر مختلفة؟

فرغم انتهاك القانون لخصوصية المرأة وانحيازه الصريح للرجل، إلا أننا سنجد في أحداث المسلسل أن ما يثير غضب واستغراب (ليال) بعد الإهانة وانتهاك الخصوصية الذي تعرضت له في المحكمة وعلى الملأ. هو عدم فهمها لكيفية اكتشاف زوجها للأمر إذ كانت تكرر السؤال ذاته مع كل حوار: ( كيف كشفني؟!!!!!)

فهل هو اعتراف ضمني بأحقية زوجها برفع دعوى ضدها في حال اكتشف الامر؟

وهل هو اعتراف آخر بمعادلة غشاء البكارة للفضيلة والشرف. و مبررا منطقيا للطلاق وحرمانها من حقوقها الزوجية؟

أي أن المسلسل لم يجعل منها مذنبة وحسب، بل أيضا معترفة بهذا الذنب ومقتنعة به. الأمر الذي يضعنا أمام سؤال مفتوح:

أليست العذرية شأن شخصي للمرأة، المرجعية فيه للحرية الشخصية؟

وهل  يجوز أن يترتب على مسألة العذرية تبعات قانونية تحرم المرأة من حقوقها الزوجية؟

غش وتدليس، أم تشجيع على العنف!!

 /في حوار مع صديقتها تقول ليال: (طلقني لأني عذراء إبرة وخيط، وإذا عرفوا أهلي بيدبحوني)./

لا يمكن هنا عدم ملاحظة كيف  تلاعبت الدراما في فكرة العذرية وربطها بالقتل من دون ان تشير الى الانتهاك القائم ( القتل)، بل تمر العبارة بشكل طبيعي واعتيادي لا يحتاج حتى إلى تعقيب من صديقتها المحامية والتي من المفروض أنها تمثل القانون، والتي يكتفي المسلسل بأن يصورها  كطرف نقيض ل (ليال) امراة ليس لديها علاقات عاطفية، وبالتالي لا تعاني من أية مشاكل، بل مرتاحة بحسب تعبيرها.

وبالعودة إلى قضية (ليال) فإن المسلسل يتناول قضية هامة وحساسة عند تعرضه للقوانين التمييزية ضد المرأة، من خلال قانون قد لا يعلم الكثيرون أنه موجود في القانون السوري ولا يزال معمولا به، والذي ينص على: ( استحقاق الرجل رفع دعوى على الزوجة في حال كانت غير بكر ولم تخبره بالأمر قبل الزواج، أو قامت بإجراء عملية ترقيع لغشاء البكارة، حينها يمكن للرجل أن يطلق زوجته ويحرمها من المهر ونصف الجهاز)  

 إن الطريقة التي قارب فيها العمل قضية شائكة وحساسة في مجتمعاتنا كمسألة العذرية، اقل ما يقال فيها انها انتهاك آخر لخصوصية المرأة، يكرس صورة نمطية سلبية تجاه المرأة، و يشجع على العنف ضدها، إذ أن المسلسل اكتفى بدور المتفرج و العاجز عن طرح أي نقد او حلول تسهم في تغيير قانون مجحف ومهين بحق المرأة كهذا القانون، أو حتى توجيه إدانة صريحة له، بل حتى القاضي الذي حكم لصالح الزوج، نجده في نهاية المحاكمة يحاول التحرش بالزوجة المدعى عليها من دون أن تملك القدرة على فعل شيء. الأمر الذي يختزل دور الدراما في الفرجة والترفيه، ويفرغ الفن من مضمونه الإنساني، ورسالته في الانتصار لحق الإنسان وكرامته. بل يكرس سرديات المجتمع  التقليدية في اعتبار ما يحدث هو شكل من أشكال الحياة المعتادة للمرأة السوريّة، وجزء من قدرها في المجتمع الذي  خُلقت فيه كأنثى. لا تملك فيه فرصة لنيل حقوقها عبر  الاحتكام إلى القانون،

أما شخصية(شغف- ميرنا شلفون) المرأة المستقلة والطموحة والتي تمتلك قدرا كبيرا من حريتها الشخصية، فقد جسدها المسلسل كشخصية مستهترة لعوب، متعددة العلاقات، انتهازية تستخدم انوثتها للوصول إلى ما تريد، فنجدها في نهاية المسلسل تتزوج من كاتب مصري معروف وتحقق حلمها بالشهرة.

الوجه الآخر

وفي جانب آخر يقدم المسلسل بالآلية ذاتها نموذجا معاكساً، في الدور الذي جسدته (ليلى – شكران مرتجي) الزوجة  القابعة تحت سلطة زوجها (وائل- سعد مينه) المتسلط الذي يبرح زوجته ضرباً لأتفه الأسباب، ويحبسها في المنزل بحجة أن نساء الحارة يفسدن أفكارها مبرراً تصرفه بأنه (رجال البيت) وقد طرح المخرج شخصية (وائل) كرجل عقيم غير قادر على الإنجاب، ولكنه يرفض هذا الاتهام ويضع السبب في  زوجته (ليلى) التي تعبرعن الوجه الآخر ل (ليال) ول (شغف ) في صورة المرأة الخاضعة الضعيفة التي تبالغ باسترضاء الزوج العنيف، والراضية بواقعها ونصيبها من الحياة كما تراه، مقتصرةٌ مهامُها على الطّبخ وأعمال البيت، وتلبية متطلبات الرجل الجنسية.

الدراما وتبريرات العنف

لا تزال الدراما تقدم تبريرات جاهزة لممارسة العنف ضد المرأة، فأحيانا يكون العنف بدافع الغيرة، وأحيانا بدافع الحفاظ على السمعة والشرف، وأحيانا يكون قادما من خلفيات نفسية بسبب عدم القدرة على الإنجاب كما في حالة (وائل-سعد مينة) يجعل من الزوجة متقبلة لهذا العنف ومتماهية معه. وأحيانا بداعي تفريغ الغضب ليس الا. لتمر هذه المشاهد بسهولة من دون الحاجة الى التوقف عندها أو ادانتها وكأنها السياق الطبيعي لمجتعاتنا. فيصبح من الطبيعي والمقبول ربما ان يضرب الرجل العقيم زوجته، أو يضرب الرجل اخته لأنه يخشى على سمعته، او حبيبته لأنه يغار عليها  

أخيرا..

ثمّة سؤال جوهريّ لابد من طرحه : 

أليس من الواجب وجود ضوابط و معايير تعمل الدراما التلفزيونية وفقها، تمنع الإساءة إلى صورة المرأة والى دورها في المجتمع؟ 

والى أي مدى بات ضروريا وملحاً تبنّي الدراما لمفاهيم الجندرة والنسويّة استنادا إلى شرعة حقوق الإنسان العالمية، والذي يجعل منها أحد الشركاء في الدفاع عن حقوق المرأة، ومناهضة الذهنية الذكورية  في المجتمع التي تكرس التمييز ضدها وتقلل من شأنها وتضعها في موضع متأخر دوما من الرجل.

لا تزال الأعمال الدرامية التلفزيونية تبتعد عن طرح  قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي ضمن منظور حقوق الإنسان والذي يحفظ لجميع الناس حقهم في العيش الآمن و التمتع بحريتهم وحقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية بمعزل عن صفاتهم الطبيعية ( جنس- عرق- لون) 

اترك تعليق