لا يمكنك أن تطلب من أحد أن ينسى، لكن يمكنك أن تطلب منه أن يسامح

(لا يمكنك أن تطلب من أحد أن ينسى، لكن يمكنك أن تطلب منه أن يسامح )

هذا ما قاله أحد الناجين متحدثاً إلى لجنة الحقيقة ضمن مسيرة العدالة الإنتقالية في تيمور الشرقية.
جزر تيمور الشرقية من أفقر دول العالم، تقع جنوب أندونيسيا وكانت مستعمرة برتغالية لأربعمئة عام. رحلت القوات البرتغالية عام 1975، فتقاتلت الأحزاب التيمورية فيما بينها من أجل السيطرة، ثم لتحتلها الجارة أندونيسيا لمدة أربع وعشرون سنة ( ١٩٧٥-١٩٩٩) بحجة فرض الأمن، لكنها خلال ذلك رعت وغذّت الحرب الأهلية طوال وجودها.

في عام ١٩٩٩ صوّت الشعب التيموري برعاية الأمم المتحدة على استفتاء للإستقلال أُجبرت بعدها إندونيسيا على سحب قواتها، لكنها أثناء الإنسحاب ارتكبت مجازر بحق المدنيين كنوع من العقاب على ذلك التصويت تعرف (بمجازر ٩٩)، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية والمجازر المروعة التي اتركبتها خلال سنوات الاحتلال الأربع والعشرين، مئات القرى استبيحت على مدى سنوات من حرق وتهجير وقتل واغتصاب.
في عام ٢٠٠٠ فُتحت الملفات برعاية الأمم المتحدة، كان المجتمع التيموري مصاباً بجروح عميقة: انتهاكات الأحزاب التيمورية من جهة، وحرب الإبادة التي قامت بها إندونيسيا من جهة اخرى.

شكلت الأمم المتحدة “لجان حقيقة ومصالحة“، وثّقت آلاف الشهادات وعٌقدت جلسات استماع ومصالحة كانت الغاية منها فتح هذا الجرح بأي شكل، ومعرفة ما جرى حتى يستطيع الناس طي صفحة الماضي فيما بعد ومواصلة حياتهم من جديد.
كان لابد للجناة أن يعترفوا بأي ثمن أمام ضحاياهم، فعرضوا عليهم الحصانة القضائية مقابل اعترافاتهم، ووافقوا أخيرا.
(يمتاز المجتمع المحلي هناك بإرثٍ وطقوس خاصة عند عقد المصالحات الاجتماعية : يجلبون حصيراً وبعض الطعام ويجلس أطراف الخلاف على الأرض معاً. يأكلون ويتحدثون ويتفقون على إنهاء الخلاف). وهذا ما فعلته لجان الحقيقة في جلسات الاستماع بين الضحايا والجناة.

كانت الجلسات رهيبة والتفاصيل مؤلمة، خصوصاً شهادات النساء .
أنكر العديد من المتورطين بالانتهاكات أي دور لهم ( لم يقدروا على الإعتراف، أو لم يشاؤوا. ولم يستطع أحد إجبارهم على التحدث). لكن قسماً آخر أقر واعترف وأكد صحة روايات الضحايا بتفاصيلها.
تحدثت فتاة عن تعرضها للإغتصاب من قبل مجموعة من الجنود لمدة أسبوع كامل، روت تفاصيل مروعة عن الإغتصاب والضرب والتعذيب والإذلال الذي تعرضت له.
تحدثت بطلاقة ملفتة على التلفزيون الوطني بصوت ثابت بلا انقطاع ومن دون تردد، كما لو أنها رددت الحكاية على نفسها عشرات المرات وهي تحضّر لهذا اليوم.
قالت أنها اكتشفت بعد مدة بإنها حامل، وأنها ولدت طفلة موجودة هنا الآن. عند هذه اللحظة فقط ارتجف صوتها وأوشكت على البكاء. ثم سألت المجتمعين: (هل تقبلونها بينكم؟). قالوا: (نعم، نقبلها).
كان ذلك كما لو أنه مصالحتها الخاصة، وتلك كانت عدالتها الانتقالية الشخصية: أن تعيش ابنتها حياة لائقة.

إقرأ أيضاً:

ابتسم وأنت حزين: الأمر ليس صعباً

اترك تعليق