فريق صدى الجنوب
..
تزامنت احتجاجات العام 2011 في سوريا مع سرعة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي و ثورة الميديا، والتي واكبت أحداث الربيع العربي عموما .
الأمر الذي أحدث تحولاً جذرياً في مفهوم الإعلام وتغييراً في شكله وأدواته، ذلك أنه تحول من إعلام يعبر عن السلطة ويتبنى خطابها إلى إعلام يعبر عن الشارع وعن قضايا الناس ويعكس آراءهم وتوجهاتهم ويتبنى مطالبهم.
ولم يطل الأمر حتى بات الإعلام جزءاً من المشهد السياسي السوري وأحد أهم محركاته، لاسيما مع تنامي حركة الاحتجاجات وامتدادها على كامل الجغرافيا السورية المتنوعة دينيا إثنيا وطائفيا، حيث تصدّر _بشكل غير مسبوق_ واجهة الاحداث، وبدأ يأخذ دوراً مركزياً في عملية الاستقطاب السياسي، ويسهم بشكل واضح في تكريس الاصطفافات الجديدة الناشئة في المجتمع السوري مابعد العام 2011
على خلفيات سياسية ومناطقية و طائفية. ويمكن القول أنّ انقساماً مجتمعياً حاداً بين مؤيدي ومعارضي السلطة، أخذ يظهر تباعاً ويعبّر عن نفسه إعلامياً، أولاً من خلال طريقة تغطية الأحداث ونقلها، وثانياً من خلال المتابعة الجماهيرية لمحطات فضائية ولمواقع وشبكات وصفحات خاصة، عبّرت كل منها عن ميول وتوجهات فئوية، ساهمت بشكل كبير في تغذية الصراع وفي اطالة أمد الحرب عبر استحضار هويات ما قبل وطنية والاستثمار في مظلوميات تاريخية وشيطنة كل طرف للآخر.
ما رسّخ حالة الانقسام المجتمعي، بين مختلف مكونات وفئاته وطبقات المجتمع السوري.
ومن جهته فقد لعب الإعلام بكافة أطيافه دوراً في تعميق هذا الانقسام، والذي بدأ يظهر آخذاً شكلاً أفقياً عاماً ومنتشراً في كل منطقة وكل حيّ أو حتى داخل الأسرة الواحدة، ثم ومع التوجه نحو العسكرة واشتداد المعارك والأعمال الحربية ومع بروز الحركات الإسلامية الراديكالية بدأ الانقسام ياخذ شكلا عموديا حادا بين المناطق المختلفة اثنيا و دينيا و مذهبيا
وبدأت تنمو في الاعلام سرديات نمطية واحكام اطلاقية تجاه تلك المناطق والطوائف،
وليس خافيا على أحد بأن العديد من الشبكات والمواقع والمنصات الاعلامية قد انخرطت في هذا الاستقطاب ومارست دورا محرضا لمولدات النزاع
وبالمقابل لم يظهر إعلام وطني/ مدني/ جامع للسوريين يعبّر عن مصالحهم على مدى السنوات العشر السابقة إلا ما ندر، وفي حال ظهوره لم يلق الدعم المطلوب والاهتمام الكافي أمام الأجندات المضادّة التي بدأت تظهر، خاصةً مع وجود المنصات الإعلامية الداعمة لهذه الأجندات في إذكاء نار التفرقة والفتنة ما بين أبناء الشعب السوري عامةّ، حيث اعتمدت هذه المنصات على التحريض الطائفي المتبادل وإشاعة خطاب الكراهية، لإشعال فتنة طائفية، بالإضافة لمنصات أخرى خدمت هذا الهدف بشكل غير مباشر من دون دراية أو مسؤولية منها. وبالتالي بتنا اليوم أمام فوضى إعلامية، تعبر عن نفسها بلغة غير مسؤولة، سواء في التسابق لنقل الأخبار، أو الترويج لأجندات بطرق ملتبسة، وكذلك في التشهير بالأشخاص، والتخوين، والابتزاز.
ولمّا كان المجتمع المدني يستمد قوته من الثقافة المدنية التي تستند إلى قيم الحرية والعدالة والكرامة الاتسانية، فقد كان لزاماً عليه ليكون قادرا على خلق فضاء مدني مستقل في اطار المواطنة والديمقراطية والمساواة، العمل على تفعيل الشراكة مع الإعلام المدني، حيث تعد وسائل الاتصال الجماهيري في المجتمع اليوم هي الأداة الأكثر كفاءة و قدرة على نقل ثقافة المجتمع المدني من مستوى الوعي الفردي إلى مستوى الوعي العام، سيما و أنّ دور الإعلام المدني كان وما يزال ضعيفاً جداً، ويفتقر إلى تراكم خبرات كما انه لم يحظَ بالرواج المطلوب سواءٌ كان إعلاماً مسموعاً أو مقروءاً أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عدا عن افتقاره إلى أبسط الإمكانيات والأدوات والمهارات المعرفية والعلمية والتخصصية. ويعاني من غياب الرؤية الاستراتيجية على المستوى الوطني.
..
ومثل عدد من المصطلحات التي أفرزتها الحداثة السياسية في العقود الاخيرة، لا نملك اليوم تعريفا محددا وواضحا للإعلام المدني . ولكن يمكننا تحديد سمات رئيسية له.وأسس يقوم عليها
فالإعلام المدني المبتغى هو: “إعلام حرّ ومستقل وموضوعي، “غير مؤدلج أو تابع لجهة سياسية أو حزبية”، يتبنى الخطاب الديمقراطي وشرعة حقوق الإنسان منهجاً له، ويرفع قضايا الحرية والعدالة والمساواة، كما يهدف إلى توضيح الحقائق، وتثقيف المواطنين حقوقياً وسياسياً، ويعمل على نشر قيم التسامح والحوار والتماسك المجتمعي، وهو رافد أساسي للمجتمع المدني”.
إنّ تحقيق الأهداف الأساسية للإعلام المدني، في تعزيز أواصر الانسجام المجتمعي وتعميق السلم الأهلي، ونشر الثقافة المدنية والديمقراطية، لا تتم من دون تحقيق الحضور الفاعل والمؤثر له، وهذا يحتاج لجهود كبيرة لكسب الثقة لدى المتابعين، وآليات لا بد من العمل عليها لتحقيق ذلك، ومن هنا فقد ظهرت فكرة مشروع بناء ميثاق شرف إعلامي، يهدف إلى بناء وتكريس إعلام مستقل وعابر لحدود النزاع والصراع، يُسهم في تشكيل الهوية الوطنية السورية، على أساس الاعتراف بالاختلاف، مهني وموضوعي يستند إلى مبادئ وقيم الديمقراطية والمواطنة، كما يُسهم في بناء وعي سياسي وحقوقي، ويعبّر عن احتياجات المجتمع الحقيقية، ويدعو لمحاربة خطاب الكراهية والخطاب التمييزي، ليشكل خطوة في طريق بناء التماسك المجتمعي والسلم الأهلي كأرضيتين صلبتين لولادة المجتمع المدني.
..
ميثاق الشرف الاعلامي :
تأسيسا على ما سبق فقد قامت خلال شهري ايار وحزيران الماضيين مجموعة من الإعلاميين و الصحفيين المستقلين والنشطاء المدنيين، والقائمين على منصات وصفحات التواصل الاجتماعي، في الجنوب الجنوب السوري ( محافظتي درعا والسويداء) ، بعدد من ورشات العمل المشتركة للتوافق على صياغة ميثاق شرف إعلامي، ليكون بمثابة مدونة سلوك أخلاقية تنظم عمل الإعلام البديل في الجنوب السوري، كخطوة أولية لمشروع كتابة ميثاق شرف إعلامي على المستوى الوطني يلتزم به جميع المشتغلين بالحقل الاعلامي أفرادا و مؤسسات.
وهي دعوة مفتوحة عبر منصة صدى الجنوب السوري الاعلامية إلى كافة الاعلاميين و المواقع الإعلامية سواء داخل أو خارج سوريا و التي تعنى بالشأن السوري. للمشاركة في تبني هذا الميثاق والالتزام به والدعوة اليه