هل نحن حقاً بخير!

في إحدى المقابلات المصورة مع مجلة فاراياتي. بعثت المؤثرة/ الموديل/ الممثلة العالمية كيم كارداشيان رسالة تحفيزية للنساء العاملات. وكان مفادها بأن أفضل نصيحة مهنية تقدمها لهنّ هي “أن تتحرّكن -تتلحلحن- وأن يأتين إلى عملهن ويعملن بجد، كما أنه عليهن أن يظهرن ذلك لأن معظم النساء لا يرغبن حقاً بالعمل”.

أثارت النصيحة الكثير من السخط والجدل في الأوساط الإعلامية والاجتماعية. لا بد أن كارداشيان لم تلحظ حينها أنها ولدت لعائلة غنية. والدها محام شهير، لديها النفوذ والعلاقات اللازمة لأن تطمح لأبعد مما تستطيع أي امرأة أخرى. 

من السهل جداً رمي هذه النصائح، أو الاتهامات. إذا ما غضضنا البصر عما يحيط المرأة من التحديات التي تواجه النساء في الوصول إلى التعليم و التمييز وعدم التساوي في الأجور. وجملة من التعقيدات المرتبطة بالمسار المهني للمرأة، والقوالب النمطية للنوع الاجتماعي.

مقارنة

الحلم الذي بدأ بضرورة إقرار المساواة بين الجنسين منذ أكثر من قرن. والذي طغت عليه  فكرة النضال السياسي و الإضراب والاحتجاج خلال السنوات الأولى. أصبح يشكل عبئاً على الأفراد والمجتمعات من حيث ضبابية هذه المطالب، فيذهب البعض إلى أن مثل هذه المطالبات تعني بالضرورة استعداد المرأة للأعمال البدنية الشاقة ــ وهو ما تفعله النساء في الكثير من بلدان العالم والأخص الفقيرة منها ــ أو يذهب آخرون إلى أن هذه المساواة التي تفضي إلى حصول المرأة على حريتها لا تعني سوى أن هذه الحرية ستجعل المرأة في حالة من الفوضى الأخلاقية (يعني على حل شعرها). 

وبالمقابل، فقد أتت تلك المطالبات بثمارها، وانتزعت النساء قسطاً من حقوقهن كحق العمل والاقتراع  والتعليم والصحة في بعض دول العالم وخاصة “المتقدم” منها. ولكن كيف سيتسنى لنا تناسي ما تعانيه النساء في الجانب المظلم والسري والقسري من حيواتهن!

في تقرير للأمم المتحدة يعود إلى العام 2022. أظهرت الإحصائيات ” أن أكثر من خمس نساء أو فتيات قُتلن في المتوسط كل ساعة على يد أحد أفراد أسرِهن في عام 2021.” 

أي أن فتاة تقتل كل 12 دقيقة. هذه الإحصائية المروّعة تشير بوضوح إلى أن العنف ضد النساء والفتيات، هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في مختلف أنحاء العالم. 

كما أن العالم الرقمي لم يكن أكثر رحمة على النساء. فهنا في هذا الفضاء الذي يحكمنا نمر بكافة أشكال العنف غير المباشر. حتى لو كنّا مستقلات وقويات وصانعات قرار وسعيدات في حيواتنا. 

لقد خلق الفضاء الرقمي فرصاً جديدة ومتطورة لتسهيل العنف والتحرّش. المحزن أنه في كل مرة نسمع فيها قصصاً كهذه، يتبادر إلى أذهاننا السؤال: “أين وقع الحدث؟” فإذا كان في بلد أوروبي، تلا الجواب تنهيدة لا تخلو من راحة. فعلى الأقل هناك فرصة للقصاص. لكن المؤلم حين تأتي الإجابة أن الفاعل يعيش في بلد عربي، فإن الحل في تلك الحالة هي الصمت، وكفكفة الخبر من أجل “السترة” ودرء الفضيحة. وأنه لن يكون هناك قصاص بسبب شح الموارد التقنية والفساد وغياب/ تغييب القوانين.

احتفالات رأسمالية ونيوليبرالية

على الرغم من أن العالم “المتقدم” يتعامل مع قضية حقوق المرأة بجديّة أكثر من عالمنا العربي. إلا أنه ومنذ سنوات عديدة طغت السمة الرأسمالية على الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف في الـ 8 من آذار من كل عام. فبدلاً من المقاومة الجماعية والمواجهة، صرنا نشهد تكريمات وسرديات تكاد تكون غريبة وغير مفهومة، لسيدات تحت عنوان “أول امرأة في كذا..وأهم عشر نساء ..الخ.” وغير ذلك من الثناءات التي لا تعمل إلا على تشتيت القضية الأساسية. لكن في المقابل نجد أن كبرى الشركات الضخمة والمؤسسات الاقتصادية المرموقة حول العالم. تحتفل اليوم بعيد المرأة العالمي رغم أن العاملات لديهن تواجهن تمييزاً في الأجور، وتتعرضن للاستغلال المستمر بسبب هويتهن الجندرية. 

أما العلامات التجارية، فتتفرغ اليوم تحديداً لقصفنا بجميع أنواع الإعلانات. حيث يستبدل ملصق “Be sexy- كوني مثيرة” بملصق “Women are strong- النساء قويات”  مما يحول كفاحنا من أجل الحرية إلى ذريعة محزنة للاستهلاك.

****

في ظل مجتمع يواجه تحديات جمة تعترض طريق تحقيق العدالة الجندرية والديمقراطية. يبرز يوم المرأة العالمي كفرصة للتأمل وإعادة تقييم الإنجازات والتحديات التي لا تزال قائمة. المشهد الذي رسمته الأحداث الأخيرة والمعضلات المتراكمة عبر الأزمان. تشير بوضوح إلى أن المسيرة نحو المساواة والعدالة للمرأة لم تصل بعد إلى نهايتها. الانتهاكات المستمرة لحقوق النساء والفتيات في مختلف أنحاء العالم، والصور النمطية الجندرية التي لا تزال تعيق تقدمهن في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

هي دعوة لتجديد التزامنا بالنضال من أجل مستقبل يسوده المساواة والاحترام. وأنه يجب أن يكون يوم المرأة العالمي، بمثابة نقطة انطلاق لتجديد الجهود نحو إزالة كل العوائق التي تحول دون تحقيق المرأة لكامل إمكانياتها. من الضروري النظر إلى ما وراء الاحتفالات الرمزية، والتركيز بدلاً من ذلك على العمل الملموس والمستمر الذي يدعم حقوق المرأة ويعزز دورها في جميع جوانب الحياة.

اترك تعليق