المرأة في الدراما- مع وقف التنفيذ نموذجاً
يصوب مسدسه نحو جسدها المرتجف، رصاصة ستغسل العار وتعيد هيبة الرجال وكرامة العائلة المهدورة بعد أن استباحها دجال اعتدى عليها جنسياً عندما قصدته لكتابة (حجاب). والدتها أم هاشم تتصدى لأبنائها محاولةً منعهَم من قتلها مدعيةً أنها ستغسل عارَ العائلة بيديها لكنها بدلا عن ذلك، تطلب من ابنتها عتاب والتي سيتحول اسمها الى درة لاحقا، الرحيل دون عودة. لنراها_ فجأة_ بعد ذلك مغنيةً في ملهىً ليلي، في مشهد بدا وكأنه يقدم النتيجة المنطقية لمصير فتاة تعرضت لاستغلال جنسي، أو يقدم لها الحل الأنسب كبديل عن القتل المباشر تحت مسمى ( جريمة شرف) على يد أخيها، أو القتل المعنوي بطلب أمها الرحيل دون عودة واعتبارها ميتة.

هكذا جاءت بداية أحداث المسلسل الاجتماعي السوري “مع وقف التنفيذ” لكاتبيه يامن الحجلي وعلي وجيه وإخراج سيف سبيعي. والذي عرض في شهر رمضان لهذا العام. على قناة سوريا دراما وبعض الفضائيات العربية.
تدور أحداث العمل في حارة من ضواحي مدينة دمشق التي تعرضت للدمار وهجرها أهلها خلال الحرب السورية، حيث يحاول العمل أن يرصدَ تأثيرَ الظروف المحيطة وانعكاسها على الشخصيات نفسيا ومهنياً.
تسير الحكاية بأكثرَ من قالب في حارة العطارين فبعد هروب (عتاب) من المنطقة على إثر اتهام أشقائها لها في قضية شرف تنقلب حياتُها رأسا على عقب، وتأخذ منحىً مختلفاً يجعلها تعمل في ملهى ليلي.
ومما يثير الانتباه أن صناع العمل جعلوا من رحيل فتاةٍ اضُطرت لأن تقطع جميع صلاتها مع عائلتها وحياتها القديمة ممراً إجبارياً نحو الانحراف والعمل في ملهىً ليلي. وكأنما لا سبيلَ آخر َ أمامها، أو كأنما خياراتها تنعدم لتحقق ذاتها أو تستمر بالحياة على أقل تقدير خارج هذا الخيار، الذي يجعل من جسد المرأة رأسمالها الوحيد عندما يضيق بها الحال. ويعيد انتاج العنف وتشجيعه عبر تهميش دور القانون حيث لا تتم مساءلة المعتدي والمتحرش بحجة الشرف والخوف من الفضيحة.
ومن جهة أخرى يكرر المسلسل صورةً اعتادت الدراما السورية طوال عقود على تصديرها عن المرأة بأنها تؤمن
بالخرافة و تلجأ للمشعوذين والسحرة لحل أمورها العالقة. وكأنما هو سلوك عام لدى جميع النساء. بينما لا تصدّر الدراما الصورة ذاتها عن الرجل، بل غالباً ما تقدمه كنقيض لها. أي يمتلك من الصفات العقلانية والمنطقية ما يميزه عن النساء المنمطات بقوالب العاطفة والضعف وقلة العقل أحياناً. ما يجعل صورة المرأة في الدراما متأرجحةً على الدوام بين إظهارها بصورة الضعيفة الخاضعة لسلطة الرجل أو وضعها في إطار الإغراء ومرادفات الخروج عن المألوف.
دور الدراما وأثرها في المجتمع

يرى البعض أن الدراما مرآة تعكس الواقع وكثيراً ما يتم تداول هذا التعبير كنقطة تحسب لها وبأن دورها يقتصر على تصوير مختلف القضايا والظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونقلها للمشاهد من دون تجميلها وكأن محاكاة الواقع مقتصرةٌ فقط على تصويره ونقله في قالب حكاية.
في حين يرى البعض أن مهمة الدراما ليست فقط تصوير هذه القضايا بل طرح الحلول، أو أن تصوير الواقع يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع نقده. ولعل هذه الاشكالية متعلقة أساساً بفهم دور الفن بالعموم ومهمته في حياة الإنسان.
وبالتالي يحق لنا التساؤل عن غياب هذا الجانب النقدي في معظم الأعمال الدرامية لا سيما منها ما يمس القضايا المتعلقة بالمرأة ومعاناتها واحتياجاتها. بل لا بد من التساؤل عن دور الدراما بوصفها فناً في محاربة الذهنية التمييزية التي تمارس ضد المرأة، وهو أكثر ما تحتاجه الدراما لتكون شريكاً في الدفاع عن قيم المواطنة و المساواة والعدالة الاجتماعية. لا سيما أن هناك أعمال ملهمة في هذا الصعيد وهي نادرة بطبيعة الحال لكن لا بد من الإشادة بها، وهي تدفعنا لعقد مقارنة مع معظم الأعمال الدارمية الدارجة والمتابعة اليوم. نذكر على سبيل المثال أعمال الراحل حاتم علي وبشكل خاص عمله عصي الدمع.
ما يجب الاتفاق عليه أولاً هو أثر الدراما الكبير، والدور المهم الذي تلعبه في خلق وعي مجتمعي من خلال قدرتها على الحضور ضمن السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي داخل المجتمع والتأثير في توجيه وصناعة الرأي العام، وفي طرح التصورات و الحلول. لكن للأسف ما زالت الدراما العربية والسورية في المجمل تلقي الضوء على مشاكل المرأة بسطحية، وتكرر حضورها على الشاشة في عدد محدد من الادوار الاجتماعية، حيث يمكن لصفة ما أو سلوك معين لامرأة أن يشمل جميع النساء
فلماذا الاصرار- أو الاستسهال – على تكريس الصورة النمطية للمرأة. في حين تستطيع الدراما أن تلعب دوراً مهماً ومؤثراً لإبراز مكامن القوة لدى المرأة وفردانيتها وقدرتها على الابداع والإنجاز ، وتقديمها كنموذج ملهم، واستثمار التطورات الحاصلة والمكاسب التي حققتها والتي من شأنها أن ترتقي بواقع المرأة المهني والثقافي والتعليمي ما ينعكس إيجاباً على دورها سواء على مستوى الفضاء الخاص داخل منزلها، أو الفضاء العام للمجتمع.
الدراما ومعالجة قضايا المرأة
ما زالت السيناريوهات العربية تهتم بالحدث دون البحث في نتائجه و تطرح القضايا مهملةً معالجتَها. إن نموذج عتاب على سبيل المثال، التي تعرضت للاستغلال الجنسي والاغتصاب من قبل شيخ دجال وبعد مرورها بلحظات رعب أثناء محاولة قتلها من قبل شقيقُها.
لم يلحظ صناعُ العمل أي دور للقانون، وكيف يمكن للضحية ان تصل الى العدالة، وتأخذ حقها، وهو أمر بغاية الأهمية في مثل هذه الحالات كالاعتداء الجنسي و التحرش و التهديد بالقتل. كما لم يتم إلقاء الضوء على الأثر النفسي للصدمة عليها، ولم يقدم المسلسل أي مقاربة حول كيفية تجاوز مثل هذه التجربة الصادمة نفسياً، و كيف يمكن استعادة التوازن بعدها. بل قفز إلى نتيجة تبدو حتمية في حالتها وهو العمل في ملهى ليلي. وكأن ما حدث لعتاب هو نوع من القدر والنصيب على الأنثى في مجتمعاتنا أن تعيشه.

فهل تكون الدراما شريكاً في الانتهاك طالما أنها تكتفي بإطلاق الأحكام الأخلاقية على الضحية و إعدامها معنوياً، بل وجعلها تتماهى مع الظلم الذي تعيشه أيضاً. فبالرغم من الانتهاك الذي وقع على عتاب/درة، بداية بالاستغلال الجنسي ثم هروبها تجنباً للقتل واضطرارها لتغيير اسمها، والعمل بملهى ليلي والقلق الدائم الذي رافقها سنوات من احتمال اكتشاف شقيقها هاشم أنها ما زالت حية، عادت في الحلقات الأخيرة طالبة السماح غير آبهة حتى و أن لقيت حتفها. لقد جعل منها صناع المسلسل نموذجاً للضحية التي تشعر بالذنب. وفي هذا تكريس لحالة قهرية عند النساء. مثلما هو أصرار على تكريس مفهوم تبعية المرأة وضعفها، وتماهيها مع المتسلط، وسيادة للعقلية الذكورية التي تحصر شرف العائلة بنسائها، الأمر الذي يشرعن جرائم الشرف. ويبرر ارتكابها
النساء بين الواقع والصناعة
قد يكون الطريق أمام المرأة السورية في الفن والدراما لا يزال طويلاً وشائكاً ليكون حضورُها فيه لائقاً و منصفاً، لاسيما وأن هذه الدراما تسيّرها ومنذ سنوات طويلة عقلية البزنس ورجال المال والأعمال، ولا تزال تغازل السياسات في الدول العربية عموماً المتماهية مع الاستبداد الذي يتذرع بأوهام خصوصية المجتمعات العربية المحافظة والشارع المتدين.
فهل أصبح الكتاب يتنازلون بدورهم عن حرية الرأي والتعبير، والبقاء تحت رحمة سياسة العرض والطلب، وما هو مرغوب و محدد سلفاً؟
لهذا نقول لابد للنقد أن يطال المنظومة كاملة ولابد للفن بوصفه أداة تغيير أن تفكك سردية العنف بكافة أشكاله، العنف المباشر الواقع على المرأة جسدياً ومعنوياً، والعنف الثقافي عبر ذهنية التمييز والاقصاء. والعنف البنيوي المتمثل بالقوانين الظالمة والتمييزية المتعلقة بالمرأة وحقوقها. ولابد للنقد الفني أن يطال طريقة تناول الدراما لقضايا النساء، والتي تركز فقط على نقل الوضع العام للمرأة العربية كما هو بآلية المرآة العاكسة التي تكرس الفكر الذكوري وما ينطوي عليه من تعنيف و تهميش و إقصاء، وتعمل على تجسيده عبر الشاشة سواء بمشاهدَ عنفٍ أسري (جسدي أو لفظي) أو مشاهد اغتصاب و قتل وتصديره للمتلقي بهذا الشكل، الذي يساهم في تقبل واستسهال العنف في الوعي الجمعي.
فهل سنرى نقداً لائقاً وجوهرياً للدراما أم سيستمر صناع الدراما بتصوير قضايا المرأة بهذا النحو، ويعملون على تكريس صورتها النمطية، بينما تبقى المعالجة الصحيحة والدور المنوط بالفن والدراما مع وقف التنفيذ؟.