قواعد ضرورية في التربية المعاصرة

تعد التربية أحد أهم الأسس في بناء شخصية الأطفال وتطوير مستقبلهم، ومع ذلك، قد يغيب عن بال الكثير من الأهالي مدى أهمية دورهم في هذا الجانب بسبب انشغالهم الدائم وتنوع اهتماماتهم. لذلك من المفيد التأكيد على ضرورة الاطلاع على نتائج ونظريات علم النفس التي تتناول هذه المواضيع، ويمكن القول إنه ومع اختلاف التيارات والمدارس النفسية التي تتناول موضوع التربية بشكلها العام، إلا أنها تتفق فيما بينها على قواعد عامة أهمها:

ـــ الحب: لا شك في حب الأهل لأطفالهم والرغبة في حمايتهم، لكن ما هو موضع شك وتفنيد، هو طريقة تعبيرهم عن حبهم ومشاعرهم، فالقسوة كتعبير عند الوالدين لا تزال سمة حاضرة في مجتمعنا، والشدة والتعنيف في التربية تعتبر أساليب مقبولة حتى الآن. لابد من لفت النظر والتأكيد، أن القسوة والعنف والشدة هي سلوكيات ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحميل الطفل شعوراً باحتقار ذاته، وقلة ثقته بنفسه، هذه النتيجة تصل إليها أغلب النظريات النفسية. إذ أن التعبير عن الحب ينبغي أن يأخذ مسرب اللين والتفاعل والحوار، لتتفتح شخصية الطفل وتعبر عن نفسها. 

“من الشائع في مجتمعاتنا أن يقال للطفل افعل كذا لأبقى أحبك، أو لا تفعل كذا وإلا لن أحبك أو سأتوقف عن حبك”. من المهم التأكيد هنا أن الطفل في مرحلة عمرية مبكرة لا يستطيع التمييز في دلالات ومقاصد الكلام، وعبارات من هذا النوع لها أثر نفسي سلبي عليه، تجعله يشعر بتهديد فقدان محبة أهله له.

  فالحب هو الذي يؤسس لفكرة تقبل الأطفال بكل ما فيهم من مميزات وصفات، وقبولهم كما هم. إنه الحب غير المشروط.

ـــ الثقة: الثقة بين الأهل والأطفال هي عنصر حيوي في العلاقة الأسرية، وتعتبر أساساً لتنمية بيئة صحية ومحبة. هذه الثقة تشمل شكلين أساسيين، الأول: الثقة التي يمنحها الأهل لأطفالهم، من خلال الالتزام بالوعود التي يقطعونها لهم. والشكل الثاني: من خلال التزامهم بما يقومون بتربيتهم عليه. أي أن يكونوا صادقين حين يعلمونهم أهمية الصدق مثلاً.

كما يمكن الحديث عن جوانب مختلفة في الثقة مثل الأمان العاطفي، فالطفل يشعر بالأمان عندما يعرف أن والديه يحبانه ويدعمانه، بغض النظر عن الظروف. يتضمن ذلك الاستماع إلى مشاعرهم وأفكارهم دون حكم أو انتقاد سلبي. كما أن الثقة تنمو في بيئة يتم فيها الاحترام المتبادل للحدود والرغبات. من المهم أن ينتبه الأهل لاحترام خصوصية أطفالهم ومشاعرهم، وكذلك يجب تعليم الأطفال احترام حدود الآخرين. يحتاج الطفل إلى الشعور بأن والديه موثوقان وثابتان في تصرفاتهما وقراراتهما. إن الاتساق في القواعد والعواقب يخلق بيئة آمنة ومتوقعة عند الطفل.

كذلك من المهم أن يُظهر الوالدان ويعبران لأطفالهما أنهم موجودون دائماً لدعمهم في التحديات والمصاعب التي يواجهونها، سواء كانت عاطفية أو تعليمية أو اجتماعية. إن بناء الثقة يستغرق وقتًا وجهدًا مستمرين، وهو جزء أساسي من تطوير علاقة صحية ومستدامة بين الأهل والأطفال.

ـــ الابتعاد عن المقارنة والاستهزاء: من شأن المقارنات المستمرة أن تجعل الطفل يشعر بأنه ليس جيداً بما فيه الكفاية، مما يؤدي إلى تدني احترامه لذاته ويقلل من ثقته بنفسه. ويمكن لهذه المقارنات أن تخلق تنافسية سلبية ومشاعر غيرة تجاه الآخرين، ما يؤثر سلباً على طبيعة علاقات الطفل الاجتماعية. تسهم المقارنات أيضاً في خلق مزيد من الضغوط النفسية والقلق لدى الطفل، حيث يشعر بأنه غير قادر على تلبية توقعات أهله منه. من المهم للغاية أن يدرك الأهل تأثير مثل هذه المقارنات وأن يعملوا على تعزيز الدعم النفسي والعاطفي لأطفالهم، مع التركيز على تقديرهم وتشجيعهم بناءً على جهودهم الشخصية، وليس على أساس مقارنتهم بالآخرين.

أما الاستهزاء والتخجيل، فله تأثيرات سلبية عميقة وطويلة الأمد لعدة أسباب، فهو يخلق لدى الطفل شعوراً مبالغاً فيه حول رأي الآخرين به، وبدل أن يكون للتربية هدف أساسي في بناء الشعور بالثقة والمسؤولية، فإن الاستهزاء والتخجيل يعملان على تطوير صورة سلبية للطفل عن ذاته، مما يقلل من ثقته بنفسه، وقدرته على مواجهة التحديات في المستقبل، وقد يشعر بأنه غير جيد وغير محبوب. كما أن الأطفال الذين يتعرضون للاستهزاء والتخجيل باستمرار، قد يطورون مشاكل نفسية مثل القلق، الاكتئاب، والإحباط. وقد يجدون صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية صحية.

 يعوّق الاستهزاء النموَ العاطفي السليم للطفل، ويؤثر على قدرته في التعبير عن مشاعره، والتعامل معها بطريقة صحيحة. لهذه الأسباب، يُنصح بتبني أساليب تربوية تقوم على الدعم والتقدير، وتعزيز تطور الطفل بشكل صحي وإيجابي. أحياناً ومن باب الفكاهة يقوم الأهل بـ تعيير الطفل، أو إطلاق تشبيهات مضحكة نتيجة حدوث سلس بولي مثلاً، أو بسبب صفة خلقية مميزة لدى الطفل تتعلق بالطول، أو الوزن، أو اللون. ما يُعتقد أنه فكاهة وأمر مضحك ومؤقت، قد يكون بالنسبة للطفل أمراً مؤذياً ومحرجاً، وله تبعات نفسية طويلة الأمد.

وفي النهاية، دعونا نتذكر أن كل طفل فريد، وأن مسؤوليتنا تكمن في توفير بيئة محبة وداعمة تمكنهم من تحقيق أقصى إمكاناتهم. والتي لا تتوقف عند النجاح الأكاديمي، بل تشمل أيضًا تنمية الذكاء العاطفي، الاجتماعي، الروحي، إن تربية أطفال سعداء، واثقين بأنفسهم، وقادرين على إحداث فرق إيجابي هو جوهر التربية والرعاية.

اترك تعليق