عندما يشرع أطفالنا أبوابَ الحكاية

                                                                 

    “السويداء ترحّب بكم”… وهنا، في ساحة الكرامة تلقاكم سيّداتها بابتسامةٍ وسلّة عنب وتين وشماخ يلفّ رؤوسهنّ بعزّة وكبرياء ليضفي جمالاً على جميلات السويداء… وهنا في ساحة الكرامة حيث تعمّد الأطفال لتتسرب أرواحهم كالشمس من أبوابها السبعة لتشير إلى اتجاه واحدٍ هو الله، فيعانقون صوت فيروز وهي تغني للأبواب ” في باب غرقان بريحة الياسمين.. في باب مشتاق… في باب حزين.. وفي باب مهجور أهله منسيين”، نعم… تناسى العالم أهل السويداء المصلوبة باسم الدين وبجهل شركائنا بالوطن بقيم الحرية والعدالة التي تتنفّسها أبوابنا، أبوابنا المشرعة دوماً للسلام والمحبة احتضنت أخوتنا في رحلة نزوحهم من بطش النظام البائد، نقتسم الخبز والهواء والدواء… الضحكة والدمعة.. وننشد معاً أهازيج الثورة.

   أطفالنا نضجوا في تموز في موسم العنب والتين قبل أن يكبروا.. يقول والد تالا الشوفي: القصة ليست قصة تالا، القصة قصة بلد قُطف قبل أن يتحقق الحلم. 

تالا عمرها عمر الثورة، جسّدت أفكارها بطفولتها وعفويتها.. بشغفها بالموسيقا.. بطموحها وتفوّقها بدراستها.. تالا.. اختارها القنّاص ليقتل كلّ قيم الثورة.. تالا سألت البلد ألّا تخون أحلام مَن كانوا حراساً لياسمينها… كلمات تالا تجاوزت مناطقية الفكر والجغرافية لتكون امتداداً لأمل السورية الدمية التي جابت أصقاع الأرض عام 2021 لتوصل صوت الطفولة السوريّ في ظلّ الحرب والقمع والاستبداد الأسديّ.. تالا الآن رمزٌ للطفولة المهدورة في ظلّ الاستبدادات العقائدية والسياسية والفصائلية في بلاد تغرق في بحار الدم، فهل قدر تالا الخطيب الطفلة الأخرى أن تمشي في هذه الدماء… فكيف سيكون المستقبل ومصير أفكار الثورة؟؟ 

    هذه الطفلة ذات الأربع سنوات كيف لها أن تتجاوز بركة الدم -دماء والديها- وهي تعبرها إلى المجهول؟ .. كيف للأيام أن تشفي ذاكرتها.. وللحياة أن تعدها بغدٍ أفضل.. وألف قيد يكبّل خطواتها! 

  تالا الخطيب تجدد قيود نهلة، الطفلة السورية التي قتلها الجهل والفقر والدين لتؤكد أنّ الثورة ثورات، وأنّ إسقاط النظام لا يعني نهوض البلاد، وأنّ التغيير الحقيقي يبدأ بالوعي واحترام الآخر وأسّ الحرية وإزاحة السياسة عن الدين، وإقامة العدالة بأسس مدنية وعصرية، فهل انعدم التاريخ؟ ..  عدنا إلى تساؤل سعد الله ونوس، لا … فما زال صالح عكوان وأمثاله موجوداً… فمَن هو صالح؟

  صالح الفتى الصغير.. الكبير بجرأته، يُذكرّنا بحمزة الخطيب ورفاقه، كيف أشعل الثورة، وكيف رفض أن يسجد لصورة، صالح رفض أن تتجدد الإهانة.. أن يرضخ لحكم القوة مهما كانت سياسية أو عسكرية، هو ابن الجبل برفضه التعدي، المشبع بإرث الشجاعة والنخوة، صالح المحب للحياة والذي جسّد الحياة كرامةً وحرية مقابل مَن يقتلون الحياة لأجل عالم آخر متوّهمين وجوده.

   هؤلاء غيض من فيض… هم أبناء السويداء… أبناء سوريا بتغريبتها ومستقبلها… هم المعاناة وهم الحلم… هم حاضرنا الممتد إلى أن يقرر الشعب مصيره… وتبقى أبوابنا مشرعة للمحبة والسلام وقيم الحرية والعدالة، وهي الشاهدة على وحدتنا في الفجيعة، فالقتل على الهوية، والنهب باسم الغنيمة، واحتلال البيوت باسم السياسة وحرقها بداعي التشفي، إذ نتكلم عنها لا بداعي المظلومية بل لنؤكد أنّ أبوابنا محفورة أعمارنا بها كما غنت فيروز ستبقى كما هي مشرعة للحياة… وعلى طريقة فيروز: هالأرض كلها بيوت يا رب خلّيها مزيّنة ببواب .. ولا يحزن ولا بيت ولا يتسكّر باب.

اترك تعليق