قراءة في كتاب المفكر مصطفى حجازي ( التخلف الاجتماعي- مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور)

#نادي_القراءة
من مبادرة #جسور قراءة في كتاب المفكر مصطفى حجازي ( التخلف الاجتماعي- مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور)
يكتبها ل صدى الجنوب
القارىء : مضر
الإنسان المقهور

عندما نتحدث عن كتاب نُشر في نهايات القرن الماضي، ومازال يصف بدقّةٍ وضع المجتمعات العربية أو عموم المجتمعات المتأخرة، من حيث التشابه الثقافي والبنيويّ في سلوك الأفراد والجماعات بينهما، هذا يعني قدرة الكتاب على تصوير التوقف التاريخي للمنظومات الثقافيّة، وعدم قدرة الأفراد على تجاوزها أو إعادة بناءها بما يتناسب مع إنسانيتهم، فكتاب “التخلّف الاجتماعي” وبعنوانه الفرعي “سيكيولوجيا الإنسان المقهور”، لعالم النفس والمفكر اللبناني “مصطفى حجازي”، يدفعنا بعمقٍ للتفكير بالوضع المأزقيّ الذي نتواجد فيه جميعاً، في مجتمعات لا يعترف فيها أحدٌ بأحدٍ، في واقعٍ ينتج العنف والعنف المضاد عبر مصادرات على الوجود.
بالطبع ليس كتاب التخلّف الاجتماعي هو كتاب تنبؤات أو مصادفات، بل هو دراسة اجتماعيّة ونفسيّة داخل زمانٍ ومكانٍ مطلقين، يحكمان الأفراد بالعجز وانعدام الفعاليّة، حيث ينطلق الكاتب في تحليل أسباب تخلف هذه المجتمعات، انطلاقاً من أنّ الإنسان هو محور وجودها ، كما يثبت أنّ جميع النظريات السابقة التي تناولت هذا الموضوع، والتي تعزو أسباب تخلفها إلى عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، أو تقول بأنّ كلّ ما يرتبط بأنماط تفكير وسلوكيات أفراد هذه المجتمعات هو بيولوجي متوارث، ما هي إلّا نظرياتٌ قاصرةٌ، لم تصل إلى العمق في عملية التحليل، أو ربما كان الهدف منها التأثير على منظومة التفكير الخاصة بهذه المجتمعات، لكي تبقى غير قادرةٍ على فهم ما يعيقها فعلياً، فعلى سبيل المثال كل الخطط التنموية المستوردة من تجارب الدول المتقدمة لم ولن تنجح، وهذه نتيجة طبيعية بحسب رأي الكاتب، كونها لا تلائم البيئة الاجتماعية لمجتمعاتنا، وبمعنى آخر “لا تأخذ الإنسان بعين الاعتبار”، ومن الناحية الأخرى ليس التخلف سمةً خاصةً بعرقٍ محددٍ أو دينٍ محدد أو منطقة جغرافية محددة وأمثلة ذلك كثيرة.
يقسم “حجازي” كتاب التخلّف الاجتماعي إلى قسمين رئيسيين: الأول يبحث في السمات النفسية والسلوكية لإنسان المجتمع المتخلف، وطبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع والمحكومة بثنائية التسلط والقهر، وبالعقد النفسية والاضطرابات التي تظهر واضحة من خلال سلوكياتهم، واضطراب منهجية التفكير، والانفعال وغيرها من الخصائص المميّزة للإنسان المقهور، بينما القسم الثاني يبحث في الأساليب الدفاعية التي يتبعها هذا الإنسان لمواجهة القوى المتسلطة عليه، والتي تتمثل في البحث عن الأحداث والرموز المُشرّفة في تاريخ جماعته الخاصة، والتمسك بالعادات المتوارثة دون محاكمتها عقلياً، والتماهي مع القوى التي تفرض سلطتها عليه، إمّا رغبة بالحصول على امتيازٍ ما ، أو خوفاً من زيادة سطوة هذه القوى، أو لكلا السببين معاً، بالإضافة إلى الإيمان بالغيبيات التي يعتقد أنها تلعب دوراً هاماً في مصيره، فضلاً عن لجوء الفرد إلى العنف كوسيلة دفاعية لها أشكال وآليات متعددة، محركها الأساسي هو شعور الفرد بكرامته المهدورة.
قد يُشار إلى أنّ الكتاب لم يضع حلولاً واضحة ومحددة، تُهيئ لخروج الفرد من وضعه القهري؛ في الواقع إنّ الأولوية في البحوث النفسية والاجتماعية هي تحليل القضية بشكل عميق، والإحاطة بكافة جوانبها، ومعرفة كافة المواضيع المرتبطة بها، فمصطفى حجازي في كتابه “التخلّف الاجتماعي”، كان يرمي إلى وضع حجر أساس البناء لعلم النفس الاجتماعي الخاص بمجتمعاتنا وما يشبهها، فقد أكّد حجازي في مُستهلّ عمله، من أنّه يطمح إلى جعل كتابه نقطة انطلاق، ومرجعاّ للمزيد من الدراسات والبحوث في هذا السياق، والتي ستسهم بدورها في وضع تصوراتٍ لحلول مشكلة الإنسان المقهور، وتجاوز أزمته العميقة.
دعوة إلى القراءة :
تبدأ الحلول من إدراكنا أنّ مكان الكتاب الطبيعي، أي كتاب، ليس على رفوف المكتبات أو في المخافظ الإلكترونية، وليس منسيّاً على رصيف ما، وبالتأكيد ليس في حوزة أحدنا كملكية لا يتنازل عنها أو يشاركها لآخرين ، بل في أن يكون مفتوحا بين يدي قارىء، من ثم ينتقل إلى يد أخرى، وما يرد في الكتاب يجب ألا يبقى مجرد أفكار نُعجب بها ثم ننساها مع الوقت، بل تتحول إلى سلوك وأسلوب حياة يبني جسوراً بيننا وبين أنفسنا اولا، ثم بيننا وبين الآخرين، والمجتمع، ويجعلنا قادرين على أحداث الفرق والتغيير الذي يتناسب مع احتياجاتنا وتطلعاتنا

اترك تعليق