يمكن القول بأن الوعي المجتمعي تجاه قضيّة الابتزاز الإلكتروني لايزال في حدوده الدنيا، وكثيرا ما يتم التعامل مع هذا النوع القضايا بكثير من التكتم، رغم حضورها المتزايد في الواقع، إلّا أنّ الأخطر في هذا النوع من الانتهاكات هو قلب المفاهيم والتعامل مع الضحيّة كشريكٍ، قد يعاقب على سلوكه بشكل عنيف، لكونه من أفسح المجال للجاني.
وغالباً ما تكون النساء والفتيات هن أكثر ضحايا عمليات الابتزاز الإلكتروني الذي يتسبب بعنف لهنّ مضاعف، فبالإضافة إلى انتهاك المبتز، هناك عنف الأهل والمجتمع. وهذا يشير بوضوح إلى الوضعية الاجتماعية الهشة للمرأة في مجتمعاتنا، التي ما زالت تعتبرها مصدراً للإثم والعار، الأمر الذي يجعل من وقع عليها الابتزاز مضطرةً في أغلب الحالات إلى التكتّم والتخبّط أكثر، عبر الرضوخ لطلبات المبتز أملاً أن تتجنب عواقب نفسيّة وماديّة، قد تكون شديدة التأثير على حياتها، ولكن في الحقيقة كلما رضخت لطلبات المبتز كلما زاد تورطها وغرقها.
ما هو الابتزاز الإلكتروني؟

الابتزاز الإلكتروني هو شكل من الأشكال المتنوعة للجريمة الالكترونيّة، يهدف إلى المطالبة بالمال أو المعلومات أو مكاسب أخرى من الأشخاص والشركات، من خلال التهديد بنشر أمور خاصة، أو نشر بيانات سرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفيما يتعلّق بالأفراد، فإنّ الضرر يكون مباشراً أو غير مباشر (جسدياً/ نفسياً/ مالياً)، ما يجعل الضحيّة تعاني من آثار طويلة الأمد للجريمة الواقعة عليها، والتي غالباً ما يتم ارتكابها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام المعلومات أو البيانات التي تم الحصول عليها، عبر اختراق الحسابات الشخصية في الفيسبوك والانستجرام، أو عبر استعادة محتويات الهاتف المحمول بعد بيعه أو سرقته، كما يمكن أن تحدث أيضاً، عندما يرسل الضحايا أنفسهم ــ بالتراضي أو بالإكراه ــ صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم إلى الآخرين (بما في ذلك الأصدقاء أو الشركاء الحميمون)، والذين بدورهم يستخدمون المحتوى بغرض تهديد الضحية والحصول على شيء ما بالمقابل. و يمكن أن يتخذ الابتزاز الإلكتروني العديد من الأشكال المختلفة، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني التهديدية والمكالمات الهاتفية أو الرسائل وعمليات الاحتيال عبر الإنترنت.
أين الخلل ؟

غالباً ما يفاقم هذا النوع من الجرائم في مجتمعاتنا، هو طبيعة نظام التنشئة الاجتماعيّة السائد، والذي تقف في خلفيته الصور النمطيّة للمرأة ووظيفتها، والذهنية التي تجعل منها مصدراً للعار، وهذا ما يجعل المجتمع وأسرة الضحيّة تركّز على إدانة الضحيّة، بعيداً عن جريمة المبتزّ وانتهاكه لخصوصيّة المراهق/ة، فالأسرة التي كبّلت أطفالها بثقافة العيب والحرام، وبقائمة من الأوامر والنواهي، وأوصدت الأبواب أمام الإصغاء لأطفالها المراهقين وتفهم احتياجاتهم، كل ذلك سيجعل بالتأكيد العنف مضاعفاً على الفتيات اللواتي يقعن ضحية الابتزاز.
فكثير من المراهقين والفتيات خاصة، عندما يتعرضن لهذا النوع من الابتزاز، الذي تدعمه في كثير من الحالات برامج التزييف المتاحة، يجدن أنفسهن مضطرات إلى تقديم تنازلات، أو الرضوخ لرغبات المبتزّ، ليقينهن من تحميلهن المسؤولية.
وهنا لابد على الأهل من الانتباه لتغيرات مفاجئة وحادة في سلوك الأبناء، وتعقّب التغيّرات التي تطرأ على المراهقين نتيجةً لهذه الضغوط، عبر الآثار التي تظهر لديهم في انعدام الشهيّة، وفقدان الوزن والشرود الدائم والانطواء، واضطرابات عصبيّة ونفسيّة تؤثر على التحصيل الدراسي، وقد تؤدي إلى الاكتئاب الحاد أو قد تصل بهم إلى الانتحار.
الوجه الآخر، أو عندما تقوم الأسرة بدورها:
أمثلة واقعية:
1ــ عندما تعرضت (س)لابتزاز إلكتروني، عبر تلفيق مشاهد لها باستخدام تقنيات التزييف الافتراضيّة، لجأت إلى أسرتها مباشرةً. كانت (س) على ثقة بأنّ أسرتها ستتفهم مشكلتها وتكون سنداً لها، يساعدها على تجاوز محنتها. بالفعل قام والد (س) بالتواصل المباشر مع المبتزّ، وإخباره بمعرفته لكافة جوانب القضيّة، مما جعل السحر ينقلب على الساحر، عبر قلب التهديد عليه، وإخباره بأنه سيطرح هذه الجريمة قانونياً أمام القضاء، ممّا حدا بالمبتزّ، إلى إقفال جميع حساباته والتواري عن الأنظار واقعياً وافتراضياً.
2ـ (م) 15 عام. استغلّ أحد أصدقائها محادثات بينهما وصوراً كانت قد أرسلتها له، لابتزازها بعد أن رفضت علاقة الحبّ التي طلبها منها، فلجأت إلى والدتها، التي تعاملت مع الابتزاز بشكل مباشر، وإخبار أهله أنها قرأت كل الرسائل وشاهدت الصور، وأنها في حال عدم ردع إبنهما واعتذاره عن فعلته ستلجأ إلى القضاء، مما دفع (ع…) 15 عام، إلى الاعتذار عن فعلته أمام الجميع، ومسح كل شيء يتعلّق بالمشكلة عن جهازه.
كيف نتحصن ضد الابتزاز الإلكتروني؟
لابد من التمييز بين حالتين
- الابتزاز الناجم عن اختراق الحسابات الشخصية: فالوقاية هي المفتاح، حيث أفضل طريقة لحماية نفسك من الابتزاز الإلكتروني هي منع حدوثه في المقام الأول. وذلك عن طريق اتخاذ خطوات مثل تأمين أجهزتك الرقمية، واستخدام كلمات مرور قوية، وربط الحسابات على مواقع التواصل مع رقم الهاتف الخاص بك، وتوخي الحذر دائماً بشأن مشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت. أو فتح الروابط المجهولة. وفي الحقيقة إنّ جميع المعطيات والإرشادات التي تتعلق بهذا النوع من الجرائم، يمكن الحصول عليها من خلال (غوغل أو يوتيوب)، حيث يمكن استعراض التعاريف والآليات وطرق الوقاية من هذه الجريمة بشكل تفصيلي
- أما النوع الثاني فهو عند مشاركة البيانات ( محادثات خاصة، صور، فيديوهات) مع الأصدقاء المقربين، أو الشركاء العاطفيين. وهنا فإن مكافحة الابتزاز الالكتروني (الواقع على الفتيات خاصةً)، يبدأ من مكان آخر، وتحديداً من الأسرة، فهي خط الدفاع الأول والضامن للفتاة عندما تتعرض إلى هذا النوع من الانتهاك، وإن نتائج الابتزاز وآثاره السلبية على الفتاة على الصعيد النفسي والمعنوي تتناسب طرداً مع عجز الاسرة عن تفهم الأمر وتقديم الاحتواء المطلوب، والى غياب قنوات التواصل والحوار مع الأبناء، الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام سهولة الإبلاغ بمجرد البدء بعملية الابتزاز ودرء تداعياتها التي في أغلب الحالات تفاقم من الانتهاك، فمن المهم بدايةً أن يثق المراهق الذي يقع في فخ الابتزاز، أنّه إذا تكلم سيجد من يسانده، لا من يدينه ويلومه أو يجرّمه. فسلاح الجاني ليس البيانات التي بحوزته، وإنما خوف الضحية بالدرجة الأولى.
أخيراً

في الحقيقة الجرائم ستحدث دائماً في العالم الواقعي أو في العالم الافتراضي، وهذا ينتج بالضرورة عن قصور الوعي الإنساني، أو استلابه إلى رغبات ضيّقة ومشوهة، ومصالح تعكس ضعف الجانب التربوي والأخلاقي في تكوين شخصيّة المجرم، وأخص مجرمي الابتزاز الالكتروني، حيث يجعلون من حياة الآخرين وخصوصيتهم المادة الرئيسيّة لجرائمهم، وبينما يصعب معالجة الجرائم الواقعيّة، إلّا أنّ معالجة الجرائم الالكترونيّة الواقعة على أطفالنا المراهقين قد يكون أسهل بكثير، فهذه المعالجة ستنجح وتعطي ثمارها، إذا بدأت الأسرة من وعي وظيفتها ودورها في رعاية أطفالها وحمايتهم عبر توطيد الثقة الأسرية، فكلمّا شعر الطفل بعمق أحضان أسرته وتفهمّها لمشاكله، سيقلّ هذا النوع من الجرائم وتتضاءل آثاره، بينما ستتفاقم وطأتها على الطفل الذي يعدم جوّ الحوار في أسرته، فالحوار والانفتاح على أطفالنا، هما اللقاح الذي يحصنهم ضد الكثير من المشاكل الاجتماعيّة والنفسية التي يمكن أن يتعرّضوا لها.