هيام حمد









الزي الشعبي لغة المكان،
وترجمة لمفردات الطبيعة على شكل ألوان و حياكة و تطريز.
يُخفي أسراره، ويُظهر مهارةَ و رفعةَ و ذوق صانعيه،
مهارة انتقاء الألوان و الزخارف والمنمنمات التي تحاكي تاريخا عمره آلاف السنين من عمر الحضارة السورية .
ويعكس علاقة المرأة بواقعها و مجتمعها، مكانتها الاجتماعية و تعاملها مع الأرض .
ففي مكان ما نجده غاية في البساطة و الانسيابية ،مهيب و مريح في آن معاً،ليلائم طبيعة الحياة الريفية القائمة على الزراعة وجني المحاصيل.
وفي مكان آخر نجده يحاكي تصاميم الملكات السوريات اللاتي عشن في دمشق و تدمر و ايبلا و اوغاريت. رصين و مشغول بعناية ودقة ومتقيد بالحفاظ على جميع التفاصيل كتعبير عن الأصالة والانتماء للموروث السوري القديم.
وتتميز كل منطقة جغرافية في سوريا بأزيائها الخاصة التي لا تزال حاضرة حتى اليوم لا كثيمة فلكلورية وحسب ، وانما كطريقة حياة و كزي معتمد في جميع أنحاء الريف السوري
ففي حوران فإن
الزّي التراثي الشعبي هو مرآة لثقافة المنطقة التي نعيش فيها ولعاداتها ، فالزي الشعبي لايزال يحتل مكانة كبيرة في الحياة عند أهالي حوران إلى يومنا هذا ، مختلفاً باختلاف مناطق حوران سهلها وجبلها . لكن القاسم المشترك بين الأزياء الشعبية في حوران هو طابعها العملي ، فهي طويلة رغبة في الاحتشام ، وعريضة وواسعة ليكون الثوب مهيباً مريحاً فيساعد كذلك على الحركة و العمل .
لباس المرأة الحورانية في تفاصيله هو مرآة تعكس شخصيتها ، ويعبر عن مكانتها الاجتماعية والاقتصادية . ويختلف هذا اللباس بمكوناته وتفاصيله من منطقة لأخرى ليحاكي بتفاصيله الهوية التراثية والعادات والتقاليد لهذه المنطقة . ففي محافظة درعا نجد زيّا جميلاً وبسيطاً تلبسه المرأة المتقدمة بالعمر، ويتكون من غطاء الرأس ” الملفَع ” أو المعروف ب”الشنبَر” وهو عبارة عن قطعة قماش حريرية ذات لون أسود حصراً ، تلف المرأة رأسها به . وفوق “الملفع” أو”الشنبر” تغطي المرأة رأسها إما “بالعصابة” وهي قماش أسود مصنوع من الشاش، أو تضع على رأسها “الحَطّة” وهي مصنوعة من الحرير الموشّى بخيوط من القصب . و”الحطّة” لها عدة ألوان وليس الأسود فقط .وفي المناسبات اعتادت المرأة الحورانية على لبس “العَرجَة” أو “الشَّكّة” وهي عبارة عن سلاسل من الفضة أو الذهب عرضها تقريباً 5سم تضعها المرأة على رأسها فوق “الملفع”. و”الشّكّة” تدل على مدى ثراء المرأة الحورانية . وأما لباس البدن، فهو عبارة عن ثوب فضفاض يغطي جسم المرأة الحورانية حتى أخمص قدميها ويسمى “الشِرش” . وبالنسبة لنوع القماش ، فهناك المخمل والحَبَر والحرير…..تبعاً للحالة المادية للمرأة .
ويتميز لون هذا الثوب باللون الموحد حسب الرغبة والذوق للمرأة. وفوق هذا الثوب تلبس المرأة لباساً يسمى “الفرمليّة” أو “الدامِر” وهي عبارة عن جاكيت تصل لخصر المرأة ، نوع قماشها من الجوخ الملوّن والمطرّز بخيوط من القصب وتُلبس على الوجهين بلونين مختلفين فوق الثوب . وفي فصل الشتاء تستعمل المرأة الحورانية لباساً فوق الثوب منسوجاً من الصوف يسمّى “المزويّة” ويصل طوله إلى الركبتين.
أما لباس الفتاة فهو يختلف عن لباس المرأة ، ويتميز ببعض الإضافات التي تجعل منه لباساً أنثويّاً بامتياز . ويتألف من (السُّلُك) الأحمر ” الشماخ” المشربش من الأطراف بحبّات من الخيطان بعد قصها تشابه حبّات الملبس، وفي زاوية “الشماخ” شرابيش طويلة تتكون من ثلاث سلاسل ، ثم توضع حبّات من القطن في آخر السلسال وتعرف باسم ” السلك المشربش” وتحت “الشماخ” تلف الفتاة رأسها بالشنبر الأسود المصنوع من الحرير . وأما لباس البدن فهو عبارة عن ثوب طويل وغالباً ما يكون من قماش المخمل متعدد الألوان ، وأحياناً أسود مطرز بألوان زاهية . وبعض الفتيات تستبدل “السلك الأحمر” بمحرمة كبيرة مصنوعة من الكتّان أو الحرير وتربطها خلف الرأس بطريقة جميلة .
إن الثوب الحوراني الشعبي للمرأة والذي يعتبر جزءاً أصيلاً من الثوب السوري تاريخياً، لا يزال القناة الأكثر تمثلاً للزخارف و المنمنمات في حركتها الدائمة التي تخبر في تفاصيلها حكاية ارث ممتد في عمق التاريخ، حيث بساطة الثوب وألوانه القليلة ( أسود ، أبيض، أحمر) تمثل الأرضية لإظهار الزخارف و الرموز الفنية التي تكشف دلالاته و تكويناته و وظائفه التي استرعت الانتباه و شدت الأنظار إليه لما يمثله من أصالة و نزوع الى ربط الثوب السوري بأصوله الإبداعية القديمة و بجذوره الحضارية و الإنسانية التي تعبر عن الهوية الوطنية السورية